حين قدم موزار (١٧٥٦ - ١٧٩١) الناي السحرية للجمهور لم تلق ما تستحق من نجاح. ويقال إن مدير الجوقة الموسيقية لأول مرة ظهرت فيها الناي السحرية، وبعد أن هدأت عاصفة التهليل، تسلل إلى موزار وكان يشرف على الإخراج، وقبل يده، فربت موزار على رأسه، لنا أن نذهب من ذلك إلى أن المدير قد فهم ما عنته الموسيقى، وان موزار أدرك أن المدير قد فهمها. كلاهما لم يستطع وضعها في كلمات رواية غنائية وهي في الواقع لم تكن مثبتة في كلمات؛ وما كانت كلمات الرواية الغنائية لتحول دون إدراك المعاني الموسيقية لو لم يتساءل النظارة عن معاني تلك الكلمات. لقد نجحت الناي السحرية بعد موت موزار؛ وسبب هذا النجاح ولا شك أن النظارة لم يعودوا يتساءلون عن معاني كلمات الرواية وأدركوا شيئا من معاني الموسيقى.
كلمات الناي السحرية هي عناوين لموضوعات ضخمة، ونحن نمر خلالها بسرعة إلى موسيقى بابا كينو الواضحة، ولكنا سوف نضيع ذلك الوضوح إن نحن سعينا إليه عن طريق الكلمات أو نشدنا موضوع الرواية في هذه الكلمات. إن حوادث الرواية ليس لها ارتباط بالكلمات بعضها ببعض، كما أن منطق الرواية كله في الموسيقى التي تخلق عالما تقع فيه الحوادث عفوا، عالما تصدر فيه النغمة عن أختها أو تنعكس عنها كما تنعكس قوى الطبيعة أو أفكار الرجل؛ هذا العالم هو الكون كما يراه موزار، والرواية بكاملها هي إيضاح لأيمانه الخاص. وعلى هذا فهي بذاتها عمل ديني وان كانت سليمة مما نجده في الدين من مسائل مبهمة وورع جبان. لقد عاش موزار في هذا العالم أشبه ما يكون بملك همه أن يضحك، ولكن بلا أذى ولا حقد، همه أن يضحك من شقاء بني الإنسان، وشر المصائب ما يضحك. وكان يعطف حتى على الفجار (انهم أطفال خبثاء يمكن لمن عنده سر السحر أن يجعل منه أهل خير وصلاح) وفي الناي السحرية يعمل السحر، انه يعمل في الناي نفسها، وفي قيثار بابا كينو. عند موزار سر الموسيقى، وقد بلغ من جهل العالم بحكمته أن حسبه مجرد شحاذ يعزف بأنغامه في الشوارع؛ وبعد جيل اصبح الناس يذكرونه كلما ذكروا الأنغام، وأصبح الشعب ينظر إليه كما ينظر إلى سوسن الحقل؛ ولا تزال الناي السحرية