ولقد عرف الشعراء والأقربون في هذا الشاعر، من تصرفاته وأحواله، إنساناً قليل الانتباه لمجرى الحوادث، قليل الاحتفال بوقائع الحياة، منصرفاً عن حركات الناس وسكناتهم، متشاغلاًعن حديثهم ولغوهم، شارد الفكر فيما لم يكن في مستطاعه الدلالة عليه إذا بدهه سائل بالسؤال عما يشغله ويذهب بلبه. فكان يبدو ساذجاً أشبه بأبله، من العصي عليه أن يصف لأحد مشافهة ما رأت عينه أو يعيد عليه ما وعت أذنه. فهو لم يكن يعني - فيما ظن خلصاؤه وبطانته - بشؤون الناس في شيء، عظم أم حقر - حتى ولا بشأنه؛ فكان همه في الحياة - كزعمهم - العيش فحسب؛ ومثله الأعلى - كحدسهم - الاستكانة للواقع والانصراف عن الجهاد والكفاح واستمراء للكسل مضافاً إليه قليلاً من الحب ليمد العيش بالنضارة والحلاوة كقليل الملح إذ يصلح الطعام ويجعل له طعما سائغاً
ولكن كل من قرأ دواوين خرافاته وبحث فيها تصويرها الجامع لألطف المعاني والأخيلة، الحافل بأدق الأحداث وأشدها، تطلباً لليقظة، عرف فيه كما قد عرف مؤرخو الآداب والناس عامة، يقظاً مرهف الحس، فطناً لكل ما ظن أنه غافل عنه
فللرجل إذن خلقان على طرفي نقيض: أحدهما واضح المعالم ظاهر للعيان ساخر من الحياة، غير عابئ بواجباتها حتى واجبات الأبوة والزوجية؛ والآخر خفي مستبطن، ولكنه يقظ منتبه لكل ما يدور في ملعب الحياة. وثمة انسجام وتآلف بين هذين الخلقين ساق إلى تفادي أضرار هذا التباين بالتنفيس عن الجانب المستسر من خلقه في أدب الخرافة التي