عرف الناس ما كان من انزعاج الأستاذ أحمد أمين من كلمة الحق، وفهموا أنه تجلد وتصَّبر إلى أن عجز عن التجلد والتصبر، وللطاقة الإنسانية حدود
وما كنت أحسب أن الأيام ستقهر الأستاذ أحمد أمين على أن يهددني بأبيات فيها لوثة جاهلية، وهو الذي دعا الأمم العربية إلى وضع آثار الشعر الجاهلي في (متحف) لا يدخله الناس إلا بعد استئذان!
ويعز عليَّ والله أن ينزعج الأستاذ أحمد أمين وأن يدَّعي أنه لقى رسائل من مختلف الأقطار العربية فيها سباب موجه إلى من هجم عليه في مجلة (الرسالة). فهذا الادعاء يشهد بأنه يعجز عن الصدق في بعض الأحيان
لو كان الأستاذ أحمد أمين يعرف عواقب ما يصنع لفهم أن الأمر كان يجب أن يكون بالعكس: فهو يجني على ماضي الأدب العربي بأحكامه الخواطئ، ويحتال لإفهام الجمهور أن أدباء العرب لم يكونوا أصحاب أرواح، وإنما كانوا أصحاب معدات. وأنا أدفع تلك التهم وأصحح ما وقع في كلامه من أغلاط
فمن الذي يستحق اللوم والسباب في هذه القضية؟
لو فرضنا جدلاً أني أشاغب الأستاذ أحمد أمين لكان من الذوق أن يتلقى العرب هذه المشاغبة بالقبول، لأن فيها تمجيداً لماضي الأمة العربية
ولو فرضنا جدلاً أن الأستاذ أحمد أمين على حق في السخرية من ماضي الأدب العربي لكان من الطبيعي ألا يستريح العرب إلى ذلك الحق، لأن الأبناء الأبرار يجسّمون محاسن آبائهم ويتغاضون عما قد يكون فيهم من عيوب
والأمر ليس كذلك في هذه القضية: فالأستاذ أحمد أمين لم يكن في جانب الحق حين قال في الاستهزاء بالأدب العربي ما قال، وأنا كنت وما زلت في جانب الحق حين حكمت بأن الأدب العربي أدب أصيل، وأنه خليقٌ بالخلود
الأستاذ أحمد أمين يروّح عن نفسه بذلك الادعاء الطريف ليوهم القراء بأن أدباء العرب في