سارت جيوش التتار تقذف بالموت والدمار. (وفتحت يأجوج ومأجوج وهم من حَدب ينسلون). خرَّت المدائن لصولتهم فأسروا وقتلوا، ثم سلّطوا الماء والنار فأخربوا ودمروا. وانطلقوا في جحافل من السيوف والسهام والنار والدخان، والدماء والماء، والهول والفزع.
وعلاء الدين ملك خوارزم. قد أوقد النار فلم يستطع إطفاءها، وفتح باب الشر فلم يقدر على إغلاقه. لم يفن جنده ولم تثبت عزيمته. فما زال يهجر المدينة بعد المدينة حتى اعتصم بجزيرة في بحر الخَزَر فهلك بها.
ورث جلال الدين ملك أبيه. وإنما ورث الضراب والطعان، وعرشاً في أشداق المنون، تخاض إليه الأهوال، وتقطَّع دونه الآمال. لقد ذهب الملك وعلاء الدين معاً. وورث جلال الدين دَين أبيه من الكفاح والنضال، ورث القتال الحاضر , والملك الغابر.
هلَّم جلال الدين!: ادفع عن رعيتك ملا يُدفع، وأختر لنفسك وليس في الشر خيار: هما خطتا إما إسار وذلة وإما دم، والقتل بالحر أجار.
تحفز البطل تحفز الأسد، وتقهقر ليثب، ولكن المغول كانوا في أثره حيثما سار، يطوون وراءه الليل والنهار، حتى خرج من ملكه وقارب الهند. وهنالك صف جلال جنده وهم:
عصابة ليس لهم ديار ... إلا ظهور الخيل والغبار
فهزم عدوه الجبار في ست معارك.
يلقى المنية في أمثال عُدَّتِها ... كالسيل يقذف جلموداً بجلمودا
ولكن طوفان المغول أعظم من أن تثبت فيه صم الجلاميد أو يغنى فيه العزم المرير والبأس الشديد.
فذلكم جلال الدين على نهر السند وأولئكم المغول على نهر السند. يكرّ عليم كالأسد المُحرَج ويَصدقهم القتال من الفجر الى الظهيرة، يموت في يمينه الحسام بعد الحسام، وينفق تحت عزائمه الجواد بعد الجواد. فلما سدت على العزائم سبل النصر، وضاقت بالمجال حيل الأبطال، حمل على عدوّه فحطمه، ثم انثنى إلى النهر فأقتحمه، والموت خزيان ينظر. تلك لجة النهر تموج بجلال الدين وجنده، وفوقهم من سهام المغول وابل منهمر. وفي الهمم