والرافعي رجل مؤمن إيمان فكر وعقيدة، تشرق قلبه وعقله حقائق هذا الدين، فهي كأنما تأتيه تلتمس في كتابته وشعره حياة تكون بها في الناس معنى يقدرون على فهمه، إذ لا يستطيعون أن يفهموه بأنفسهم، فمن ثم تراه حين يكتب عن الدين يتدفق تدفق البحر، وتتدافع معانيه تدافع الموج، وتزدحم أفكاره ازدحام اللجة؛ ومن هنا تغمض معانيه على بعض من لم تشرق حقائق هذا الدين على روحه وفكره
وما سهل أن تجد كاتبا غير الرافعي يكتب بهذا الأسلوب في هذه المعاني؛ فأنك لترى إيمان أكثر من تعرف، فكرة يستبد بها العقل المتقلب، فهو إيمان متقلقل يتنازعه الشك، لا يأخذ ولا يدع إلا بحذر؛ أو تراه إيمان عقيدة موروثة تستبد بصاحبها استبداد الجهل والتقليد، فهو إيمان جامد، لا يأخذ ولا يدع إلا ما أريد على أن يأخذ وأن يدع. وقلما تجد غير هذين من يؤمن إيمان الفكر والعقيدة معا؛ ولو قد وجد من يؤمن هذا الأيمان، لرأيت الإسلام ينبعث اليوم كأوله، ولعادت المعجزة الإسلامية تكتب فصلا جديدا في تاريخ الإنسانية
والرافعي بأيمانه ذاك ينقاد للمقدور انقياد الطاعة، واثقا أن لا مفر للإنسان مما قدر عليه؛ فلا تراه يتبرم أو يتسخط لشيء يناله، وتسمعه يقول: (جئنا إلى هذه الحياة غير مخيرين، ونذهب غير مخيرين، إن طوعا وإن كرها؛ فمد يدك بالرضى والمتابعة للأقدار أو انزعها إن شئت، فأنك على الطاعة ما أنت على الكره، وعلى الرضى ما أنت على الغضب؛ ولن تعرف في مذاهب القدر، إذا أنت أقبلت أو أدبرت أي وجهيك هو الوجه؛ فقد تكون مقبلا والمنفعة من ورائك، أو مدبرا والمنفعة أمامك، والقدر مع ذلك يرمي بك في الجهتين أيهما شاء. وحري يمن يوقن أنه لم يولد بذاته، ألا يشك في أنه لم يولد لذاته، وإنما هي الغاية