نقل الأستاذ العبادي البحث في هذا الموضوع إلى ميدان آخر غير الأول، فأنكر أن يكون السفاح لقباً لأبي العباس، وذهب إلى أنه لقب عمه عبد الله بن علي واليه على الشام، وحجته فيما ذهب إليه من ذلك تنحصر فيما يأتي:
١ - أن الرواية التاريخية القديمة كرواية ابن سعد وابن عبد الحكم والبلاذري وأبي حنيفة الذينوري وطيفور واليعقوبي والطبري والنُّوبختىِّ والكنديِّ لم تلقِّب أبا العباس بالسفاح. . .
٢ - أن تلقيب ابي العباس بالسفاح من رواية المؤرخين الأدباء كالجاحظ وابن قتيبة والأصفهاني
٣ - أن رواية ابن سعد واليعقوبي وصاحب أخبار مجموعة وصاحب الإمامة والسياسة تجعل السفاح لقباً لعبد الله بن علي عم أبي العباس
٤ - أنه رجع إلى سيرة أبي العباس قبل الخلافة وبعدها فلم يجد فيها ما يسوغ تلقيبه بالسفاح بمعنى القتال؛ أما سيرة عمه عبد الله وما سفكه من دماء بني أمية بالشام فتسوغ له ذلك اللقب
ونحب أن نبين ما في هذه الحجة الأخيرة من غفلة ظاهرة، قبل أن نعنى برد ما قبلها من الحجج، فإن أبا العباس هو الذي سلط عمه عبد الله بن علي على بني أمية بالشام، فهو مسؤول عن كل ما فعله معهم، وشريكه في الدماء التي سفكها، والنفوس التي أزهقها، على أن أقسى ما فعل مع بني أمية مختلف في نسبته إليه أو إلى عمه عبد الله بن علي، وهو ما روى أن شبل بن عبد الله مولى بني هاشم دخل على أبي العباس أو عمه عبد الله على اختلاف الروايتين، فوجد عنده عدة من بني أمية نحو تسعين رجلاً، وقد اجتمعوا عند حضور الطعام، فأنشده:
أصبح المُلكُ ثابت الآساسِ ... بالْبهاليلِ مِنْ بنى العباس
طلبوا وِترَ هاشمٍ فشفوْها ... بعد مَيْل من الزمان ويَاس
لا تُقيلنّ عبد شمس عِثاراً ... واقطَعنْ كل رَقلةٍ وغراس
ذُلُّها أظهر التوَدُّدَ منها ... وبها منكم كحدِّ المْوَاسِي