يقف الإنسان أمام صورة من الصور ويلقي عليها نظرة عارضة عاجلة فيصدر في الحال حكمه عليها أعجب بها أم لم يعجب؟ أنالت من نفسه ارتياحا؟ أسكن وجدانه إليها؟ ولماذا أعجب بها؟ ولماذا لم يعجب؟ وما هي العاطفة الكامنة التي تصدر هذا الحكم بتلك السهو لها أو عليها؟ أهو الذوق؟ وما هو الذوق؟ أهو العقل؟ وعلام يستند العقل؟ هذا ما نحاول شرحه في هذا المقال متوخين الإيجاز في تناول موضوع التصوير بصفة عامة لأنه فن واسع الأفق لا يحيط به مقال واحد ولا كتاب واحد.
ليس التصوير إلا لغة للتغيير وأسلوباً من أساليب الوصف والإفضاء
عن الشعور والعاطفة، فكل مصور درس أصول التصوير وقواعده هو
ككل إنسان تلقن قواعد الكلام وأصول الصرف والنحو ليستطيع
التخاطب بلغة سليمة متآلفة، ولكن على قدر انتشار اللغة سليمة
صحيحة غير مشوبة باللحن لا نجد كل متكلم أديباً ولا شاعراً، فكذلك
ليس كل من تناول ريشة الفن وأتقن مزج الألوان فناناً موفقاً، وكذلك
على قدر التفاوت بين طبقات الأدباء والشعراء يتفاوت الفنانون مقدرة
وعجزاً.
فلغة التصوير على ذلك ليست إلا أداة أو وسيلة لغاية بعيدة يريد المصور أن يبلغها، ونحن إذ ننظر إلى الصورة يجب أن نبحث أولاً عن هذه الغاية - ماذا يريد صانعها أن يقول.
فإذا لم نجد من وراء صورته فكرة أو غاية مفيدة فالصورة لغو لا طائل تحته، إذ لكل صورة قصة يجب أن تقصها وإلا فهي بكماء صماء أو هراء من القول وهذر مخطوط ومضيعة للجهد والوقت بالغة ما بلغت أداة التعبير من إتقان. وأقل ما نلتمسه في صورة من الصور أن نستخرج لها ميزة تميزها وشخصية تتسم بها. هل سجلت شيئاً جديداً كان خافياً علينا؟ أو هل فسرت معنى مجهولاً؟ أو هل مهدت خطوة في سبيل غرض سام؟ أو هل