للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكتب]

ساعات السحر

للدكتور أحمد زكي بك

هذا نموذج ناضج لأدب المقالة الدسمة ذات الموضوع الخصب. فليست هذه المقالات من هذا الطراز الذي كل هدفه إظهار المحصول اللغوي ولا شيء وراء هذا لضآلة موضوعها وفجاجته، ولا هي من هذا النمط المتهافت الأسلوب العامي الأداء.

ولكن ما هي السمات التي تطبع أدب الدكتور زكي بك؟

فالمقالة قد تتحد في جودة الأسلوب، ودسامة الموضوع، ثم هي تختلف في لباب الفكرة؛ وتتباين في جوهر الموضوع، فهناك المقالة التي تأخذ سندها قيضها من شاعرية الوجدان؛ وهناك المقالة التي تتخذ المنطق وسيلتها؛ والمقالة التي تستوحي روح العلم وتسير بوحي من هداه. ومن هذا الطراز مقالات هذا الكتاب. والذي أعنيه بروح العلم هو استشفاف روحه؛ واصطناع أسالبيه في البحث؛ فهو لا يسبح بك في تلك الأجواء المزيج من النور والظلام، أجواء الصوفية الوجدانية، ولا بلح الحاح أصحاب المنطق وعشاق التفلسف، بل أنت معه في ضوء العلم ووضوحه، وانآده ورزانته. وليس معنى هذا أنه يدخل بك في ميدان العلم وجفاف موضوعيته؛ كلا، بل هو يستوعب ويتشرب روح الموضوع عن طريق فكرة، ثم يأخذ في التفنن والإبداع الفني في تصوير معانيه وتجسيدها وابرازها وإشاعة الحياة في كل ما يعرض؛ فإذا هي قطع فنية من حيث العرض والتصوير علمية من حيث اعتمادها على دعائم الفكر. فإذا قيل أن بعض الكتاب يؤدب الفلسفة، وبعضهم يفلسف الأدب فالدكتور زكي يعلم الأدب ويؤدب العلم؛ لأنه قد وفق في تطعيم الأدب بروح العلم، أو في عرض العلم بحيوية الفن وجاذبيته. هذه هي السمات التي تطبع تلك المقالات التي جمعها الدكتور زكي في كتابه الأخير (ساعات السحر) فأنظر كيف يتناول موضوع الشباب فيلم به من جميع أطرافه في مقالة (يعجبني الشباب إذا) فيقول: (يعجبني الشباب إذا هو تأنق وترقق في غير أنوثة. فيعجبني فيه الوجه الطليق النظيف والشعر الممشوط، فتلك زينة خليقة بابن آدم. ومع هذا فهو عند العمل يخلع التأنق وينبو عن الترقق، فإن كان العمل زيتا أو فحما انغمس في الفحم والزيت ولم يشح بوجهه عن الأعفرة) وبصور دور

<<  <  ج:
ص:  >  >>