نداء المجهول - قصة للأستاذ محمود تيمور نشرتها المكشوف
بهذه القصة الجديدة يندفع الأستاذ محمود تيمور في اللون التخيّلي، وقد بدت بوادره في قصته المتأخرة (فرعون الصغير) على ما بينت في مقتطف يولية الماضي. وتراه يندفع فيه مهملاً اللون الواقعي الذي عرف به زماناً. ولكن إهماله له إنما هو من ناحية الفكرة التي تسّير القصة لا من جهة السياق، إذ لا يزال يلتزم التصوير المباشر والتحليل الصريح وغير ذلك من أساليب الواقعية واللون التخيلي بالفرنسية والإنجليزية (هنا أيضاً وبالألمانية - يجري إلى سرد الحوادث النوادر و (المغامرات)(كما نقول اليوم في مصر: وإلى وصف العوالم التي تَبهت العقل وإلى الكشف عن آفاق تضطرب فيها الأسرار والألغاز، كل ذلك رغبة في الفرار مما نعرفه ونلمسه ونؤمن به، كل ذلك إرادة أن تلبي النفس نداء يأتيها من وراء حجب. هذا وبين التخيلية والرمزية المستحدثة وشائج من جهة ذلك الفرار من العالم المبذول لنا. غير أن هذه تتشبث بما يجول في النفس خفيةً فتبرزه عزمات وتصورات وانفعالات، ثم تستخرج ما وراء الحسّ وتدون ما يهجم على القلب ويرد على الوهم، وذلك من طريق التمثيل، وانتزاع الصور من الأشكال والهيئات، واستنباط المطابقات والمقابلات والإضافات مما يجري الموازنة البعيدة أو القريبة بين الحيّ والجامد
وجملة القول أن التخيلية تتناول الخارجيات من بلدان نائية وغرائب مستملحة وحوادث أخاذة، على حين أن الرمزية المستحدثة تركز أوتادها في وادي المضمرات والسوانح وما يلي المادة المباشرة
وقد عرف الأدب العربي اللون التخيلي، ففي حكايات جدّاتنا وفي (ألف ليلة وليلة) ما تشاء من ابتداع للطائف. وأما الأدب الإفرنجي الحديث فقد خرج اللون التخيلي على يديه فناً شائعاً مقبولاً شريف الغاية في أكثر الحال، بيّن الأوضاع على تباين في الأنحاء. وفن تيمور في (نداء المجهول) لا يرجع إلى الأدب العربي، ثم إنه ليس من فن (كبلنج) لأن هذا بلا ما كتب، وليس من فن (إستراتي). لأن هذا صاحب عنف، وليس من فن (فورنييه) لأن الرجل شاعر في نثره وصاحب وسوسات، وليس من فن (مارك أورلا).