للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نظرة لمعركة عين جالوت]

وقتل قائد التتار كتبغا في ٢٥ رمضان ٦٥٨ هجرية

للأستاذ أحمد رمزي

(ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا

وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) قرآن كريم

قلت مرة لصاحب من إخواننا الذي يغلب عليهم التشاؤم (أن في الكون قوات طبيعية هائمة لا تلبث أن تصيب الرجل الذي اختارته العناية لعمل عظيم، فستفيق من غشيته متنبهاً ليقبض على تلك القوى الضائعة ويجمعها ويحشدها ويحركها ويقودها ببصيرته وعزيمته وجرأته، ليغير معالم الأشياء فيخلق من الجمود حركة ومن الخمود حياة ومن التسلم أملا، ويحول مجرى التاريخ ليكتبه كما يشاء. هؤلاء الرجال الأفذاذ كثيرون في تاريخ الإسلام، كانوا كالصخور الصلبة التي تواجه السيول، وكانوا كالسدود الضخمة التي تحول مسير المياه إلى جهات ونواح غير التي كانت تقصدها بدفعتها الأولى).

(وأعرف في تاريخ مصر العربية معارك كثيرة ومواقف خالدة كانت كالسدود العالية تصد حوادث الزمن وتقارع نكبات الدهر لتتغلب عليها: ولكني اعرف منها معركتين فاصلتين يجب أن يعرفها كل واحد منا لأنهما مفخرة لنا ولآبائنا ولأجدادنا، وقعت كل منهما في أرض فلسطين الشهيدة، في الجزء الشمالي منها أي بالقرب من بحيرة طبرية، تلك البحيرة التي أعدها وما حولها بقعة من اجمل بقاع الأرض، أما أولى المعركتين فهي معركة حطين، وأما الأخرى فهي معركة عين جالوت. كان بطل الأولى سلطاننا صلاح الدين وكان صاحب الأخرى سلطاننا الشهيد المظفر قطز، ففي الأولى تحطم ملك أورشليم وفي الأخرى تحطمت أطماع هولاكو في فتح مصر، وفي الأولى ظهرت مزايا جند مصر وعسكرها على فرسان أوربا، وفي الأخرى انتهت خرافة العهد من أن جيش المغول لا يغلب، فغلب وتشتت شمله، وظهر أن الدماء التي تجري في عروق الأباء والأجداد، أقوى وامتن واثبت من الدماء التي تجري في عروق فرسان أوربا وزمازمها من الاستبار والداوية، وعلم الناس والعالم بأكمله والأجيال السالفة واللاحقة أن صلاح الدين وقطز هما

<<  <  ج:
ص:  >  >>