فالدواعي التي تلجئ المشرع إلى إباحة تعدد الزوجات عند الضرورة التي تسوغه أخطر جدا من هذه الموانع التي تساق لحظره على النحو الذي أجملناه فيما تقدم. فهذه الزوجة التي يغشى عليها الكاتب الأخير من وساوس الغيرة هل يظنها تنجوا من هذه الوساوس إذا كانت السهرة التي يغيب فيها زوجها قد انقضت في الحانة أو الماخور أو في الأندية التي لا فرق بينها وبين الحانات والمواخير؟ أو هل تنجو من هذه الوساوس إذا كانت السهرة مع زوجة رجل آخر يخونها في تلك الساعة كما تخونه لأنهم جميعا لا يستسهلون الطلاق؟
إن الذين يبيحون تعدد الزوجات لا يبيحونه لأنه حسنة مشتهاة ولا لأنهم يفضلونه على الاكتفاء بالزوجة الواحدة متى تمت شروط الوفاق والعشرة الدائمة بين الزوجين، ولكنهم يبيحونه لأن السيئات التي تبيحها الحضارة أبغض منه وأولى بالمحاربة والإنكار، ويعلمون أن كرامة الزوجة التي تشاركها في رجلها زوجة أخرى أعز وأوفر من كرامة الخليلة التي تعترف بها المجتمعات الأوربية والأمريكية ولا تحسب لها حسابا في الشرائع والقوانين غير حساب التهاون والإغضاء.
ولعل هذه الأجوبة التي قدمناها لا تشمل على جواب هو أولى بالتدبر وإطالة الروية من جواب الفتاة التي قالت إن النساء لا يرفضن المشاركة في الرجل الوسيم القسيم وإنهن إذا لغظن بحديث هذا الزواج فأغلب الظن أنهن لغضن من الغيرة لا من الإنكار. فهذه فتاة من بنات العصر الحديث في القارة الأمريكية موطن الحرية النسائية التي جاوزت جميع الحدود، كشفت عن دخيلة شعورها فإذا هو ينم على حقيقة المانع النفساني الذي يجنح بالمرأة إلى التأفف من المشاركة في المعيشة الزوجية، وإذا هو مسالة استحسان للزوج الذي يستحق هذه المشاركة لا مسالة كرامة أو مسالة من مسائل العقيدة والروح.
وتحسب أن الأجوبة الصريحة التي من هذا القبيل أجدى من الفصول المنمقة والمباحث المتعمقة في الإبانة عن مركز المرة الصحيح من مسائل الزواج والطلاق.