كان مما عرض على عصبة الأمم في دورتها الأخيرة الخلاف بين إيران والعراق على مسألة الحدود؛ ولكن مجلس العصبة لم يشأ كعادته أن يبادر إلى درس خلاف يخشى أن يحول تعقيده وخطورة العوامل والاتجاهات المتصلة به إلى فشل العصبة في بحثه باستقلال ونزاهة؛ ولهذا آثر بعد بحث المسائل الشكلية أن يرجئه إلى دورة أخرى عسى أن يوفق الفريقان المتنازعان إلى تسويته بمفاوضات مباشرة، فينجو المجلس بذلك من الحرج والتعرض إلى فشل يزيد في ضعف العصبة وانحلال هيبتها
ومما يبعث إلى أشد السف أن ينشب مثل هذا الخلاف بين دولتين شرقيتين كإيران والعراق تربطهما صلات تاريخية قديمة ترجع إلى عصور وآماد بعيدة، وتجمع بينهم مصالح مشتركة اقتصادية وسياسية وعسكرية، ويضاعف هذا الأسف ألا تستطيع الدولتان الشقيقتان حسم هذا الخلاف بالتفاهم المباشر، وأن تضطرا إلى عرضه على هيئة دولية دلت سوابقها وأعمالها في بحث المسائل الشرقية على أنها لا تملك بحثها دائماً بحرية ونزاهة، وأنها تتأثر غالباً بالنفوذ الأقوى. وفي هذا الخلاف، على رغم قيامه بين دولتين شرقيتين، ما يهم بعض الدول الغربية ذات لمصالح والنفوذ
والخلاف الايراني العراقي قديم يتناول علائق الدولتين منذ ظهور العراق في الوجود كوحدة سياسية خاصة، أعني منذ خاتمة الحرب الكبرى؛ وقد كان من نتائجه أن لبثت إيران مدة أعوام طويلة تصر على عدم الاعتراف بالعراق الجديدة، ولم تعترف بها إلا في سنة ١٩٢٩ نزولاً على سعي لسياسة البريطانية. وإذا قلنا باضطراب العلائق بين إيران والعراق في تلك الفترة، فمعناه اضطراب العلائق بين إيران وبريطانيا العظمى التي كانت يومئذ تسيطر على أقدار العراق وتتولى توجيه علائقه الخارجية، وقد كان يرجع أحياناً إلى أسباب خارجة عن العراق ذاته، كالخلاف بين إيران وانكلترا على مسألة البحرين، وأحياناً إلى أسباب تتعلق بالعراق مباشرة كالخلاف على الحدود، واقتحامها بين حين وآخر من بعض رعايا هذا الفريق أو ذاك، أو على بعض المسائل التجارية وغيرها. ولما حصل العراق على استقلاله بعقد المعاهدة العراقية الانكليزية في صيف سنة ١٩٣٠ سعي إلى