للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[موقف الفكر العربي من الحضارة العربية]

لحضرة صاحب العزة الدكتور أحمد زكي بك

الفكر العربي والديمقراطية:

(تابع)

ثم إلى الديمقراطية، تلك الصفة الثانية من صفات هذه المدنية.

ونحن نعني بالديمقراطية هنا معناها الحرفي يدل عليه لفظها، وتدل اشتقاقاته، ذلك حكم الشعب بالشعب. إنها الديمقراطية السياسية.

إن العصور الغابرة لم تعرف الديمقراطية إلا حكمة في القول عابرة، وإلا نصيحة يأخذ بها من يأخذ ويدع من يدع، وإلا حثا للحكام على الشورى لم يبلغ حد الفرض، ولم يكن له أثر يطول.

ولقد عدوا أثينية البلد الديمقراطي الأول الذي عرفه التاريخ، وكانت أثينية مع هذا مدينة من مدائن الإغريق أكثر أهلها العبيد. كانت ديمقراطيتهم ديمقراطية للقلة فيها من الأحرار. وكانت ديمقراطية محدودة مشروطة. وهي ديمقراطية ضاقت بالذي قال سقراط، بالذي صرح به من آراء، فقضت عليه بالموت. وهي الديمقراطية التي قام فيها فيلسوفها الثاني أفلاطون يقول في جمهوريته بحصر الحكم في فئة من خيار الناس، هي وحدها الصالحة، وهي وحدها المسئولة، وسائر الناس لها تبع.

وجاء من بعد الإغريق الرومان فما عرفوا الديمقراطية في الحكم. كانت الديمقراطية بينهم اسما في عهود الجمهورية، ثم زال حتى اسمها في عهود الأباطرة. ولقد جهد الرواقيون الرومان في إبراز معنى المساواة بين الناس. سنكا وأضراب لهؤلاء. ولكن لم يكن لهذه الفئة من الخطباء والكتاب من أثر في أسلوب الحكم، إنما كان أثرها في القانون من حيث تخفيفه وترقيقه لا سيما على العبيد الأرقاء.

وجاءت المسيحية فحاولت ما حاولته الأديان من قبل ومن بعد، أن تجعل الناس سواسية. وحاولت أن ترفع حظ الفقير، وأن تجعل الثراء أمانة في عنق صاحبه يرعى فيه، وبه، صوالح الناس. ولكن لم تلبث المسيحية أن صارت دين الرومان، ولم تلبث الكنيسة أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>