صار لها وجود ذاتي، وصار لها استقلال وقوة، وصار لها ثروة، وصار حكم، وصاحب الحكم لا يزال عن حكمه طوعا ليقسمه بين الناس.
وجاء الإسلام فقال بالذي قالت به الأديان وزاد. وجعل الحكم شورى. والرق جعله كفارة لشتى الخطايا، تفريجا له وتكريها فيه. وقال سلمان منا آل البيت. وقال: إن أكرمكم عند الله أتقاكم. وجعل للفقير حظا في مال الغني. وفعل وفعل. . . ولكن لم يلبث الإسلام أن صار ملكا عضوضا، ولم يلبث الخلفاء أن صاروا حكاما مطلقين، يصلح منهم من يصلح، ويفسد منهم من يفسد، والناس تتلقف الخير وتتلقف الشر جزافا كما يأتي به الزمان.
وجرى الحال على هذا المثال في الأمم قرونا، لم يطمئن الناس فيها على ما في جيوبهم من مال، ولا على ما فوق أكتافهم من رؤوس حتى جاء القرن السادس عشر، وبدأت بوادر الديمقراطية بين أمم الأرض في أوربا. وبدأت بانشقاق الكنيسة على نفسها. ودافع المنشقون عن عقائدهم. والنقلة من الدفاع عن الحقوق الدينية إلى الدفاع عن الحقوق الدينية نقلة يسيرة. وجاء القرن السابع عشر فهب الإنجليز يوطدون دعائم السلطة في الشعب بالدفاع عن برلمانهم. فكانت الثورة. وكان أن طاحت الرأس الذي دار به خمر السلطان المطلق فأساءت حكما.
وجاء القرن الثامن عشر فقامت الثورة الفرنسية، مهد لها الكتاب الذين أسموهم بالفلاسفة، روسو.
وقبل الثورة الفرنسية بأعوام وقعت حرب استقلال أمريكا، وباستقلالها توطد الحكم الديمقراطي فيها.
وأنفسح المجال أمام الشعوب بعد ذلك لأن يتخذوا الديمقراطية عقيدة، وأن يتخذوها أسلوب حكم. وتعددت الأساليب إلى يومنا هذا، والغاية واحدة.
والفكر العربي يقف من الديمقراطية، من حكم الشعب بالشعب، موقف المناصر الشديد المناصرة. وهو يشتد في مناصرته لها بمقدار ما أعوزه منها وهو يناصرها ويعلم أنها لم تبلغ الغاية مما آمل الناس منها، ولكنه يناصر لأنها إلى اليوم خير ما ابتدع الإنسان من أسلوب. والفكر العربي يناصرها وهو يعلم أن حكم الشعب يقابله حكم الشعب بالشعب وهو جاهل، وخيم العواقب؛ ولكنه يناصر لأن حكم الطغاة، وهو أوخم عاقبة، وهو أعون على