لا يقتصر التشريع الإسلامي في أحكامه على أعمال الإنسان الظاهرة، وارتباطها بغيره، ولا يكتفي بأثر التشريع الدنيوي، ولا بالحكم المنصوص عليه في القانون الواجب التطبيق في الظاهر
كما هو الشأن في القوانين الوضعية عامة - بل يتتبع بواعث العمل ونية العامل، فيحكم عليه حكما أخروياً، يناسب النبات، والبواعث الباطنية من مثوبة، أو عقوبة أخروية، وهذا شأن التشريع الكامل الذي يقصد إلى الإصلاح الحقيقي المؤدي إلى إصلاح القلوب. وتهذيب النفوس، فتجري المعاملات بين الناس على أساس صالح من مراعاة العدل والحق.
إنه بذلك يجعل الإنسان - في كل ما يصدر منه - تحت رقابتين: الخشية من الله والضمير، ثم الخشية من أحكام القانون؛ ولتوضيح ذلك نذكر - على سبيل المثال - أن عقد الزواج له حكمان إذا وقع مستوفياً أركانه وشروطه:
أحدهما: أثره المترتب عليه، وهي تلك الحقوق والواجبات التي تثبت لكل من الزوجين على الآخر.
وثانيهما: وصفه الشرعي الذي يرجع إلى نية العاقد، والباعث له على الزواج، قد يكون هذا الزواج حراماً، يعاقب المتزوج عليه في الآخرة إذا تيقن ظلمه لزوجته، أو نوى بزواجه الإساءة إليها، أو قرباها، لأن الزواج إنما شرع لتحصين النفس وبقاء النسل، وتحصيل الثواب، وهو بالجور يرتكب المحرمات فتفوت المصلحة التي من أجلها شرع الزواج لرجحان المفاسد الناجمة من الجور عليها. وقد يكون فرضاً، يثاب فاعله، ويعاقب تاركه إذا كان الزوج مع قدرته على واجبات الزوجية يتيقن الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج، ويكون سنة مؤكدة حال الاعتدال، فيأثم بتركه، ويثاب إن نوى تحصيناً وولداً