للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أعلام الفلسفة الفرنسية]

تين

منذ سنوات خلت، نشرت الصحف خبر احتفال الفرنسيين في بهو السربون، بذكرى الفيلسوف الفرنسي الكبير (تين) وقد كان الاحتفال فخما للغاية، يناسب مكانة الفيلسوف العظيم؛ وقد رأسه المسيو إدوار هريو وزير المعارف والفنون الجميلة، وشرح بمحاضرته التي ألقاها منهج تين في النقد الأدبي، وفي العرض التاريخي. ويرى بعضهم أن مؤلفات تين خير ما أخرج التفكير الفرنسي في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، ويرون انه أبرع نقاده في ذلك القرن! وقد كان تين فوق ذلك فنانا بارعا يعشق فن الموسيقى، وأما نظرياته الفلسفية فإنها تميل على الأغلب إلى الناحية المادية.

العبقرية الحق هي التي تعمل ولا تشبع، وتجد في الألم لذة، وفي الموت من أجل العمل حياة، ولا تحسب يوماً أنها وجدت ما تنشد وتصبو إليه! كان تين لا يكل ولا يتعب، بل كان يقوم في الليل ليستأنف عمله، وكان (اسكوت) الكاتب الإنجليزي الكبير مصنوعاً من العمل، كما كان يقول، وحسب (بتهوفن) انه لم يبرز ما يصبو إليه، ومات (فولتير) وهو معتقد انه لم يعمل عملا واحدا يرضي ذوقه!

العبقرية الحق، هي التي تخلق وتنشئ وتنظر دائما إلى الممكن وإلى المستقبل، هي باذرة بذور الخير والحب والطيبة والجمال في الوجود، والطامحة دائما إلى الأحسن، والآخذة بالناس من الظلمات إلى النور، ومن العبودية إلى الحرية، ويخلد العبقري بقدر ما تترك رسالته من أثر على وجه البسيطة؛ فكلما كانت رسالة العبقري إنسانية كان الإعجاب بها شديداً والثناء عليها قويا.

ولد هيبوليت أدولف تين في ٢١ أبريل سنة ١٨٢٨ بفوزييه بمقاطعة الوارون في فرنسا، وكان أبوه من أسرة قليلة المال قصيرة الباع. وكان لأبيه (جان باتيست تين) اتصال بالقضاء، لذلك استطاع تين أن يتلقى عليه النظم والقوانين إلى جانب دراساته بمدرسة (مسيو بيرس) الصغيرة. حتى بلغ الحادية عشرة من عمره، وقد مرض أبوه فأرسله في سنة ١٨٣٩ إلى مدرسة دينية في (رتل) أقام بها ثمانية عشر شهراً، وبعد وفاة أبيه سافر إلى باريس فالتحق بمعهد (ماتيه) وكان طلاب هذا المعهد يدرسون بكلية بوربون وفيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>