للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٣ - بين المعري ودانتي في رسالة الغفران]

[والكوميدية المقدسة]

بقلم محمود احمد النشوي

اثر الروايتين في اللغتين العربية والايطالية

حدثنا الدكتور جوفاني كابو فيلا عن أثر دانتي في اللغة الايطالية إبان تقدمته لروايته فقال (إليه يرجع الفضل في تثبيت دعائم اللغة الايطالية التي ملأها وهي لا تزال في مهدها بأقاصيص الحب والعدالة والحرية والجمال).

تلك كلمة نسطرها مقتنعين بها. فاللغة ايطالية وكل لغات أوربا الحديثة إنما تزداد على مر الأيام جمالا وحسنا وثراء من أخيلة ومن ألفاظ. انها تطرد في الحسن اطراد الاوربيين في الرقى. وهكذا اللغة تقوى بقوة الامة، وتضعف بضعفها. وانا لنتقرى مصداق تلك النظرية في الاوربيين المعاصرين فنرى نسبتهم في اللغة كنسبتهم في القوة. وقد كان الايطاليون ضعافا في عهد دانتي فكانت لغتهم وليدة، كما قال الدكتور جوفاني.

ونحن ما دهانا في لغتنا؟. لقد كان عهدها الذهبي عصر المعري إبان القرن الخامس الهجري. ومن ذلك الحين أخذت تفقد شعاعها على يد التتار في الشرق، والاسبانيين في الغرب، والمماليك في مصر، ولا زالت تضعف تراكيبها، وبتهليل نسيجها، حتى بلغت درجة (الصفر) ضعفا وهزالا أواخر القرن الثالث عشر الهجري.

بيد ان نهضتنا المباركة أعادت للعروبة طراءة الشباب وجمال الفتوة. وارتنا كتابا من المعاصرين لا اسميهم، ولا ابالغ ان قلت انهم في الطليعة يسايرون الجاحظ، وابن المقفع وعبد الحميد، وعمرو بن مسعدة. في الفكرة وفي الاسلوب.

فذلك الضعف المطرد في الامة العربية منذ القرن الخامس الهجري. وتوالي الكوارث، والمحن عليها اضعف من لغتها. وجعل أثر (رسالة الغفران) محدودا. وهل تستطيع رسالة الغفران أن تقاوم الضعف التي تفتحت أبوابه علينا من كل اتجاه؟. ان ذلك غير مستطاع. ولو انها رقت ألفاظها وعذبت مفرداتها، وسلمت من غرابة اتشحت بها، لرجونا ان تلوكها الالسن فتعذب، وتجول في جنياتها الاخيلة فتسمو. ولكنها ابت ان تخرج للناس سافرة غير

<<  <  ج:
ص:  >  >>