تحدثنا في مقالنا السابق عن العلم أو المعرفة أو الإدراك في نظر الإمام الجليل أبي حامد الغزالي وبينا ما عنده عن علم المعاملة وعلم المكاشفة أي المعرفة الشعورية واللاشعورية فظهر ما سماه بالعلم ظهوراً واضحاً وأضاه ما سماه إيماناً إضاءة جميلة وأشرق ما نعته باليقين إشراقاً قويا باهراً ساحراً.
ونحن الآن نتحدث عن الوجدان أو ما يسميه الإمام الغزالي بالحال. ولكننا نرى من الخير - قبل أن نبدأ بهذا - أن نذكر التعريف النفسي للوجدان لنستطيع المقابلة بينه وبين ما سنراه من قول الغزالي في هذا الموضوع.
(يقول النفسيون إن الوجدان يطلق على ما تجده في نفسك من لذة وألم يصحب الإدراك أو النزوع، فإذا ما حال حائل دون مسير أية عملية عقلية أو جسمية أو عاقها عن المضي في سبيلها، كان التأثر مصحوباً بالألم. إما إذا سارت في طريقها حرة لا يعوقها عائق كان التأثر سروراً وارتياحاً.
وهذا الوجدان يصحب كل علمية عقلية كما يصحبها الإدراك، فالوجدان يشمل اللذة والألم والفرح والحزن والغضب والندم، وكل انفعال نفساني، كما يشمل العواطف أيضاً. وأنت الذي تتأثر بهذه العلاقة التي بينك وبين الشيء الذي تشعر به وتنفعل بتلك العلاقة).
هذا ما يقوله علم النفس في الوجدان الذي يسميه الغزالي الحال. ولنسمع الآن ما يقوله الغزالي عن الحال الذي يعرفه علم النفس بالوجدان.
يقول الغزالي في تحليله لإحدى العمليات العقلية وهي التوبة ما يأتي: إن التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتئم من ثلاثة أمور مرتبة: علم. وحال. وفعل. فالعلم الأول والحال الثاني. والفعل الثالث، والأول موجب للثاني إيجاباً اقتضاء اطراد سنة الله. أما العلم فهو معرفة عظم ضرر الذنوب فإذا عرف هذا معرفة محققة بيقين غالب على القلب ثار من هذه