هذه هي المدارس الثلاث (مدرسة المعتزلة والفلاسفة الإسلاميون والأشاعرة) التي حملت لواء التفكير العقلي للثقافة الإسلامية تحت ظل الإسلام وفي كنفه، ثلاث مدارس كبرى لها مجهود جبار أخرج لنا هذا الكنز الثمين للثقافة العقلية الإسلامية. وكانت غاية هذه المدارس الثلاث واحدة، وهي الوصول إلى معرفة موجد هذا الكون، وعلاقة موجده به، وإلى تعليل وقوع الخير والشر فيه، وكذا علاقة الإنسان بهذا الموجد، وإلى أي مدى تمتد قدرة الإنسان، وهل للإنسان استقلال بأفعاله أو هو مظهر من مظاهر قدرة الله لا غير، ولا شأن له في نفسه.
هذه هي المشاكل التي تعرضت لها هذه المدارس، واختلفت حلولها لها تبعاً لاختلاف مناهجها في الوصول إلى هذه الغاية. وبمقدار قرب المنهج الذي سلكته كل واحدة للوصول إلى غايتها أو بعده من منهج الأخرى كانت أوجه الشبه بينهم قرباً وبعداً.
ولأجل أن يكون حكمنا صحيحاً يجب أن نتعرف نشأة كل واحدة باختصار لنكشف عن بيئاتها التي كان لها التأثير على ثقافتها، لهذا سنضطر إلى الكلام على نشأة كل واحدة باختصار ولنبدأ أولاً بمدرستي المتكلمين لاتصال حياتهما الثقافية اتصالاً وثيقاً.
نشأة المعتزلة:
في درس الحسن البصري الذي جلس يلقي دروسه الشفوية الجامعة بين أصول الدين وفروعه، وبين الدين من جانب، والسياسة من جانب آخر وفي مسجد البصرة، ومن بين تلامذته، وفي أواخر القرن الأول الهجري وأوائل الثاني منه، نشأت فكرة الاعتزال، أو بذرت أول بذرة لهذه الدوحة العظيمة التي صارت فيما بعد مدرسة كبرى من مدارس الثقافة الإسلامية.
كانت هذه الفكرة في أول أمرها بسيطة، خلاف قام بين الأستاذ وتلميذه (واصل بين عطاء) على مرتكب الكبيرة من المسلمين حين جاءه رجل يسأله عن شأن مرتكبها - حيث كانت