للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - مدينة الزهراء وحياتها الملوكية القصيرة]

للأستاذ محمد عبد الله عنان

تتمة البحث

وقد انتهت إلينا هذه الضاحية الملوكية الشهيرة أوصاف وأرقام مدهشة تنبئ عما كانت عليه من الضخامة والفخامة، فقد ذكر ابن حيان مؤرخ الأندلس أن الزهراء كانت تشغل مسطحاً قدره تسعمائة وتسعون ألف ذراع، وأن مبانيها اشتملت على أربعة آلاف سارية ما بين صغيرة وكبيرة، منها ما جلب من مدينة رومة، ومنها ما أهداه قيصر قسطنطينية، وأن مصاريع أبوابها كانت تبلغ زهاء خمسة عشر ألفاً، وكلها ملبسة بالحديد والنحاس المموه؛ وذكر مؤرخ آخر أن عدد الفتيان بالزهراء كان ثلاثة عشر ألفاً وسبعمائة وخمسين فتى، وعدد النساء والحشم بالقصر ستة آلاف وثلثمائة، يصرف لهم في اليوم ثلاثة عشر ألف رطل من اللحم سوى الدجاج والحجل وغيرها. وقد لا نجد في المنشآت الملوكية الحديثة ما يذكرنا بهذه الأرقام المدهشة سوى القصر البابوي أو قصر الفاتيكان الشهير برومة وما انتهى إليه خلال العصور المتعاقبة من الضخامة والفخامة والجلال، فإن هذا المقام الكنسي الملوكي الفخم يحتوي على أربعة آلاف غرفة وعلى مئات الأبهاء والساحات والأروقة، ويضم عدة أجنحة ومجالس رائعة أسبغ عليها أبدع ما عرف الفن الرفيع من آيات الزخرف والنقش والتصوير.

- ٢ -

ولم تعمر الزهراء طويلاً كقاعدة ملوكية؛ فقد لبثت قاعدة الملك والخلافة زهاء أربعين عاماً فقط، مذ نزل بها الناصر سنة ٣٢٩هـ حتى نهاية عهد ابنه الحكم المستنصر سنة ٣٦٦هـ؛ ولم يكن ذلك لأن الزهراء قد عفت كقاعدة ملوكية، ولكن لأن تحولاً خطيراً قد وقع في سلطان بني أمية؛ فقد ترك الحكم الملك لابنه الوحيد - هشام المؤيد - وهو طفل لم يجاوز الحادية عشرة؛ وسرعان ما استولى الوزير محمد بن عبد الله بن أبي عامر على مقاليد الحكم بمؤازرة صبح أم المؤيد ووصية العرش، ولم يمض قليل حتى استأثر ابن أبي عامر بكل سلطة ورياسة في الدولة؛ وفي سنة ٣٦٨هـ أنشأ له ضاحية ملوكية جديدة

<<  <  ج:
ص:  >  >>