(إلى الذين يتساءلون: أين أنا؟. . . إلى الذين عشت معهم، في
غفلة الدنيا، على مقاعد الجامعة ورحابها. . .)
- ١ -
شهدتك، أيها الخفاق، تتعالى فوق الثكنات الكبرى التي تحتاط دمشق. . . واكتحلت عيناني بالأمل المزدهر على نسمات الريح وخفقات القلوب. . . واستمعت إلى حفيفك الناعم يقص حديث السنين الخوالي. . . ولم تتمالك عيناي، أيها الخفاق، أن تفترا عن الدمعات المندية التي لمحت من وراء غشائها الرقيق مراحل قصتك الدامية. . . لقد ذكرت فيصلا والملك، والفرنسيين والهلك، والصفحات الحلك السوداء التي جللت ثرى الوطن فاستعبرت. . . والعبرات، يا علمي، العبرات التي كانت تنفر كالعزم الحديد في عيون الآلاف المتحلقة من حواليك كل ما ملك الناس في أصيل الرابع والعشرين من تموز
- ٢ -
وأين يوم من يوم، أيها الخفاق، منذ خمسة وعشرين عاماً آب الناس إلى بيوتهم تقطعهم الحسرات: الشهادات على أفواههم، والجراحات في أجسادهم، والدماء من خلفهم ومن بين أيديهم، وملك فيصل النضير يجتاحه الغزاة العتاة كما تجتاح الزوبعة الروض الممرع. . . واليوم، بعد هذه السنين الطوال العجاف، لا تظل البيوتات رجلا أو امرأة، شاباً أو فتاة. . . لقد خرج الناس تهزج لهم المنى، وتغني لهم الأحلام: الزغردات على أفواههم، والعزمات ملء برودهم، ومجد أمية من وراء العصور يتلألأ في أذهانهم. . . ومضوا يملئون الطرقات إلى الثكنة العسكرية الكبرى، إلى ثكنة (الحميدية)، وانتشروا يتدفقون على عرض الدروب، ويتدافعون على حفافي الشوارع، ويتزاحمون على أطراف الأرصفة!
إنه يومك، يا علمي، كانت انتزعتك اليد الغاصبة لتحيل ألوانك، وتخفت لمعانك، وتمزق