أتلقى من حين إلى آخر كثيراً من الكتب التي يهديها إلىَّ أدباء تربطني ببعضهم صلات ود وصداقة، ولا يربطني بأكثرهم شيء من صلات الود والصداقة، وكذلك الأمر فيما يختص برسائل القراء. ومما يؤسف له أن الذين يخرجون الكتب في هذه الأيام من الكثرة بحيث لا يستطيع الذين يكتبون النقد وهم قلة، أن يتتبعوهم فيما يكتبون وأن يتحدثوا عن مؤلفاتهم ناقدين أو عارضين! وليت الأمر يقف بهم عند هذا الحد، وهو التفضل بإهداء الكتب والاكتفاء بتقبل الشكر. . . كلا ولكنهم يطلبون إلى الناقد - عن طريق التلويح أو التصريح - أن يكتب عن الأثر الأدبي الذي أخرج، وأن يثني على الجهد الفني الذي بذل، لقاء ما قدموا إليه من ثمرات القرائح وما خلعوا عليه من أثواب المديح والإطراء! ويحار الناقد ماذا يقرأ وماذا يدع إن وقته لأضيق مما يقدر الذين بعثوا إليه بكتبهم راجين أن يشير إليها من قريب أو من بعيد، وإنه ليلقي من كتبهم ما قرأها كثيراً من العنت والإرهاق وإن منها ليذهب فيها الوقت والجهد بلا فائدة ترجي ولا غناء!.
والدهشة بعد ذلك في تلقي العتاب إذا ما تحدث عن كتاب فلان وأغفل كتاب علان؛ الدهشة التي تصاحبها الحيرة في الاعتذار لمن يهدون إليه كتبهم فلا يكتب عنها فيتبعون. . . ماذا يقول لهم وكيف يعتذر إليهم؟ أيقول لهم إنه لم يجد من وقته متسعاً للكتابة، أم يعتذر إليهم عن غثاثة الإنتاج وضآلة الجهد وتفاهة المادة؟ أمران كما يقولون أحلاهما مر. وليت الكتاب من أصدقاء يقدرون ويخففون من وقعها على النفس والشعور.
أما أنا فقد آليت على نفسي ألا أكتب عن أي أثر أدبي إلا إذا لمست فيه للأدب وفائدة للقراء. وحسب كتاب لم يتحقق فيه هذا الأمل المرجو أن أقدم الشكر على إهدائه، وحسب صاحبه تحية أقدمها إليه من قلبي. أما الكتاب الذي يضيف إلى رصيد القارئ ثروة فكرية جديدة فلن أتردد في أن أقدم إلى صاحبه التحية من قلمي!
هذه كلمة من مؤلفات الأدباء أنتقل بعدها إلى رسائل القراء. إن بعضها يردد واحدة لا تكاد تتغير وهي الشكوى من إهمال (الرسالة) لكثير مما يرسل إليها من إنتاج أدبي لا ذنب