للعلامة الأمير مصطفى الشهابي عضو المجمع العلمي العربي بدمشق
لكم تساءل الإنسان عن هذه الحياة ومعناها، ومبدأها ومنتهاها، ولكم
أجهد نفسه بلا جدوى للحصول على جواب مقنع تسكن إليه نفسه
الكليمة من أحاجي هذا الكون. وهو بين الأزل والأبد يمر في هذه
الحياة الدنيا كأسرع من إيماضة كهربائية تطوي الأرض في أقل من
ثانية!.
ما هي هذه الحياة الكامنة في جنين بزور النبات، وكيف تحتفظ بعض البزور المجففة بخاصة (الانتاش) عشرات من السنين، حتىإذا زرعت وابتلت دبت فيها الحياة فضربت (نتشها) عن الأرض وأبرزت سداها فوق التراب يتلمس الشمس والهواء وهو أحرص على الحياة من الشيخ الفاني والهم البالي. وراقب جذور هذه النبتة كيف تخترق ذرات التراب وتتغلغل فيها سعياً وراء الماء اللاصق بها حيث تجد غذاءها مذاباً صالحاً لامتصاص. والغريب أنك كيفما أدرت ذلك الماء دارت الجذور معه وسعت إليه كأنها تدرك أن لا حياة لها إلا به. وإذا ما وضعت حاجزا معدنيا بينها وبين ذرات التراب المبتلة دارت حوله حتى تتخطاه، وان أعياها الأمر أرزت حوامض تذيبه، حتى إذا ثقبته دخلت في الثقب كما يفعل الكماة عندما يخرقون سور المدينة الحصينة، ويدخلون من الخرق فيستولون عليها وينعمون بها.
وانظر إلى الأزهار الموضوعة في نافذة غرفتك كيف تميل إلى الخارج تستقبل الضياء حتى لكأنها تفر من الظلام إلى النور. والحظ الأشجار المغروسة بجانب أحد الجدران كيف تبتعد عنه بأغصانها النوامي فتبدو عريانة فيما يليه كان قضبانها اللدنة لا تلتذ برغد العيش إلا حيث يتماوج النور ويتلاعب الهواء. وهذه زهرة تدور مع الشمس من مبزغها إلى مغربها حتى سموها عبادة الشمس. وتلك ورقة مركبة تفتح وريقاتها في النهار وتضمها في الليل مرتقبة شروق الشمس في اليوم التالي وهي أحرص ما تكون على الانتفاع من شعاعها المتناثر. واعجب لتلك النبتة الحساسة التي يسمونها (مستحية)، وخجولة إذ تنطبق