كان بعض النقاد الأوربيين يكتبون عن حروب الإسلام الأولى فيذكرون منها في معرض النقد أن النبي عليه السلام كان يأمر بعقاب المشركين الذين أساءوا إلى المستضعفين كلما ظفر بهم بعد معركة من المعارك، ويحسبون أن عقوبة المقاتل لا تجوز لخصمه لأنه غير مسئول أمامه في شرعة القانون.
ومن الواضح أن هؤلاء النقاد قد نسوا أو تناسوا أن الأنبياء مطالبون بإصلاح الفساد حيث كان وليسوا هم حكومة من الحكومات تحاط دعوتهم بالأقاليم والحدود، فيجوز لهم على هذا الاعتبار ما ليس يجوز لساسة الدول وقواد الجيوش.
ولكن تشاء الأيام - بعد أربعة عشر قرناً - أن يأخذ الأوربيون بمبدأ معاقبة المقاتلين الذين يقترفون الجرائم سواء في ساحة القتال أو في غير ساحة القتال، وأن يبنوا ذلك على قاعدة مقررة لا يكثر الخلاف عليها، وهي أن الدول تسأل عن جرائمها وسيئاتها، فلا موجب لأن يعفى أفرادها - أو أجزاؤها - من العقاب، ولا يصح أن يخليهم من التبعة أنهم كانوا مأمورين مكرهين على الطاعة. فإن المتهم المكره لا يعفى من العقاب، وإن جاز أن تلاحظ حالة الإكراه في تقدير عقابه، إذا ثبت أنه كان مسوقاً إلى جناية بأمر رؤسائه وأصحاب السلطان عليه.
فالآن يجوز للخصم المقاتل الذي لا يطالب بما يطالب به الأنبياء من تعميم الإصلاح - أن يحاسب خصمه ويعاقبه على الجرائم التي تخالف القانون في بلاده. فإن كان القانون في بلاده لا يحرم الجرائم النكراء فقد سقط حقه في حماية الإنسانية وحماية الشريعة، وجاز أن ينال العقاب على هذا الاعتبار.
أما الجرائم التي يحاسب عليها المقاتلون فهي القتل والتحريض عليه، والغدر في طلب الإيواء أو اصطناع المرض والإصابة، واستخدام السموم والأسلحة المتفق على منعها، والإجهاز على الجرحى المستسلمين، والقسوة على الأسرى والمصابين بالجروح والأمراض أو اختلاس أموالهم التي لا تعتبر من الأموال العمومية، والتمثيل المعيب بجثث