قصدت بعد أن عضني الكلب إلى مستشفى الكلب المجاور للقصر العيني. وكان أول ما أنعش نفسي أن رأيت على باب المكتب الداخلي لوحة كُتب عليها ما مفاده: - أنشأ هذا المستشفى الدكتور محمد باشا شاهين لعهد وزارة دولة صدقي باشا، وقد افتتحه رسمياً المغفور له الملك فؤاد الأول في أبريل سنة ١٩٣٢. فقلت في نفسي: كم كانت لشاهين باشا غفر الله له من مآثر جسام في مصلحة الصحة قبل أن صارت وزارة! وكان أول وزير لها، ثم توفاه الله إلى جواره بعد بضعة أسابيع مأسوفاً عليه. (أقول هذا لأني كنت على صلة صداقة خالصة به كل حياته. وكنت أذيع مآثره في الجرائد والمجلات كما يعلم كثيرون من أصدقائه وأصدقائي.
قدمت نفسي إلى مدير المستشفى؛ وكم كانت دهشتي عظيمة حين علمت أن هذا المدير هو الدكتور إبراهيم بك شاهين نجل المغفور له مؤسس هذا المستشفى. وعجبت أن ملامحه الرضية وسماحة محياه ووداعته استظهرت في مخيلتي صورة أبيه محمد باشا - سبحان من خلق وسوَّى.
وكان الدكتور إبراهيم يتوقع قدومي لأني رأيت أن نبأ عقر الكلب لي قد سبقني إلى المستشفى وسُجل في سجل (الحجاج) إليه. ورأيت فيه اسمي وعنواني وحادث الكلب نفسه الذي عقرني. فعجبت من هذه العناية والتدقيق في تناول المعلومات عن حوادث الكلب من المستشفى الكلاب في العباسية تلفونياً كل يوم. فقلت له:(هب أني لم آت إليكم للعلاج) قال (نطلبك أولاً وثانياً فإن لم تأت كان ذنبك على جنبك)،
قلت: وهب إني لم آت لظني أن الكلب سليم ثم ظهرت علىَّ الأعراض، أفلا يخشى أن أعدي أحداً؟ قال: نعم يحتمل أن يتلوث شخص آخر بلعابك فيصاب. فقلت: وهل يجدي العلاج حينئذ؟ قال كلا. لا يجدي علاج بعد ظهور الأعراض. وما جنت ألا على نفسها براقش. ولكن ما من أحد اشتبه بعقر الكلب إياه إلا أسرع إلى المستشفى إذا لم يكن غبياً. وستنزعج قليلاً من الحقن بالمصل كل يوم مدة ١٥ يوماً. قلت أليس العذاب في سبيل الحياة خيراً من العذاب في سبيل الهلاك، العذاب الذي لا يطاق والذي لا يريحني منه إلا