فقلت وأنا أطبق ما شرحه صديقي على التماثيل التي أمامنا:
(لابد وأن يكون صعباً على المرء أن ينفذ إلى أعماق نفوس الآخرين على هذا النحو).
(نعم لا ريب في ذلك) ثم عاود حديثه في شئ من التهكم:
(ولكن أكثر الصعاب التي تصادف الفنان الذي يمثل تمثالا أو يصور صورة لا تأتي من ناحيته ولكن من ناحية العميل الذي يعمل له الفنان. إن الإنسان الذي يطالب الفنان بعمل مثال له يشابهه تمام المشابهة لهو الذي يعنت الفنان عنتاً شديداً بقانون عجيب قاتل. إذ قلما يستطيع امرؤ أن يرى نفسه على حقيقتها، وإن هو استطاع ذلك فانه يأبى على الفنان أن يظهره على تلك الحقيقة. بل يريد منه أن يظهره بمظهر مبتذل تافه. أنه يود أن يبدو كاللعبة التي تحركها الخيوط، يسره أن يظهر بالوظيفة التي يؤديها أو بالمركز الذي يشغله في الهيئة الاجتماعية، وإن يمحى الرجل الذي فيه محواً تاماً. فيرغب الحاكم أن يرى ثوبه المنمق، والقائد عباءته الموشاة بالذهب ولكن قلما يعني أحد منهم بأن تقرأ أخلاقه ونفسيته من صورته.
وفي هذا ما يفسر نجاح الكثيرين من أوساط المصورين والمثالين الذين يقنعون بإبراز المظهر الذي لا يدل على شخصية عملائهم كملابسهم المزخرفة وهيئاتهم الرسمية. أولئك هم الفنانون الذين لهم الحظوة الكبرى لدى الجمهور لأنهم يسدلون على مثلهم ستراً من العظمة والأبهة. وكلما زادت تهاويل الصورة وتزاينتها كانت أقرب إلى اللعبة الجامدة المزوقة، وازداد ارتياح العميل إليها.
ربما لم يكن هذا كذلك في كل الأحوال. إذ يظهر أن بعض سادة القرن الثامن عشر مثلا كانوا يطربون لرؤية أنفسهم مصورين على هيئة ضباع أو نسور على ظهر أنواط من تلك