إجلاء هذه البنت عما تسمّيه ملك أبيها، أعظم عندي من إجلاء الإنكليز عن مدن مصر.
لأنها تحتل بحق (التملك. . .) وأولئك يحتلون بسيف الغصب.
ولأنها توشك أن تصير (كما صار غيرها) مصرية. . . في سجلات الإحصاء، على حين أنها لا تزال أجنبية الدم والهوى واللسان، وأولئك يبقون إنكليز غرباء، غاصبين أعداء، ويبقون قذى في عين كل مصري، وغصّة في حلقه، وثقلا على قلبه، حتى يخرجوا، وما من خروجهم بدّ، لأن الباطل إلى اضمحلال وإن كانت له جولة، والحق إلى ظفر وإن كانت له كبوة، وقد طالما بغى باغون، وظلم ظالمون، ولكن لم يدم باغٍ ولا خلد ظالم!
هذه البنت وأمثالها شر من الإنكليز، وسند التملك في يدها أقطع في رقابنا من السيوف في أيديهم، وفندقها في مصر الجديدة أخطر على استقلال مصر من ثكنات قصر النيل، لأن المصيبة في هؤلاء أنهم يعدون (في جنسيتهم الرسمية) منا، وهم في حقيقتهم من غيرنا، فيدخلون في الأمة دخول السم في الجسم، وصندوق الديناميت بين أحجار البناء، ويكونون منا كالشيطان من الإنسان يجري منه مجرى الدم، فلا يستطيع الخلاص من شره، ولا النجاة من أذاه. ثم إن أصحاب كل بلدٍ هم ملاّك أرضه، وأصحاب عماراته، هم سادته، وهم الحاكمون فيه، فإن شاءوا عطلوا هذه الأراضي وتركوها مواتاً فجعلوا البلد مقفراً، وردّوه فقيراً، وإن شاءوا أخلوا عماراتهم للبوم والعناكب أو هدموها، وإن شاءوا أدخلوا الناس إليها وأسكنوهم فيها، وإن شاءوا أخرجوهم منها وأغلقوا دونهم أبوابها، فمن هو الذي مكّن لهذه البنت وأمثالها أن يكونوا هم ملاك هذا البلد، وترك الكثير من أهله حفاة عراة جائعين، يدورون يسألون هذه (الخواجاية) صدقة وإحساناً، فتزورّ عنهم وتنأى بجنبها، وتصعِّر خدها، وترميهم بكل قبيحة من فمها الجميل. . .
من الذي أجرم هذه الجريمة الكبيرة، أو غفل هذه الغفلة العجيبة، حتى أصبحنا اليوم والمتاجر الكبرى للخواجات، والفنادق للخواجات، والقهوات للخواجات، وأكبر العمارات يملكه الخواجات، وأفخم السيارات يركبه الخواجات، حتى إن شارعاً عظيما هو شارع قصر النيل، لا يملك فيه المصريون، كما أخبرني الثقة، إلا ثلاث عمارات فقط، بقيت