رأى أديب دمشقي فاضل أن يسألني ماذا اعني بقولي:(إن للتوراة والإنجيل والقرآن من الرواية اكبر نصيب)، وعلى أن أوضح للأديب الكريم ماذا أعني وإن يكن فيما أوردت في مقال (ما هو أدب اليوم؟. . .) بيان مسهب جليّ.
فقد تحدثت في أدب اليوم عن الرواية، وقلت أنها ركن الأدب في كل عصر وكل آن القصد منها فلا يعدو تغذية النفس بالمواعظ، والحث على الفضيلة، ومحاربة الفساد، وقد تخرج روايات كثيرة عن هذا الهدف، فينصرف قائلها أو واضعها إلى امتلاك سامعيه أو قرائه بحوادث رائعة مدهشة ترمى إلى التفكهة وقضاء الوقت،
والوقوف على غرائب لا وجود لها في أحيان كثيرة في غير مخيلات ناسجيها.
والرواية نوعان: منها التاريخية ومنها الخيالية. بل هي محبط واسع تشمل الحقائق والأكاذيب، تشمل الملموس المحسوس والخيالي المجهول. فمن حق الراوي أن يتفنن في سرد حكايته على ما شاء. له أن يستعين بالتاريخ وأن يسخر بالتاريخ. له أن يقدس الحقيقة وأن يعرض عنها.
فهو حرّ مطلق في أن يقول ما شاء. وما يقول رواية تختلف قيمتها باختلاف قدر قائلها وقوة تركيبها ومن تتناول من الأفراد. والكتب المقدسة تحمل روايات عديدة. ففي كل فصل من فصولها رواية، ولنبدأ بالتوراة. ففي سفر التكوين رواية، وفي تمرد الملائكة وسقوطهم إلى الجحيم رواية، وفي عصيان آدم وحواء مشيئة الله وأكلهما الثمرة المحرمة رواية، وفي حكاية إبراهيم وهاجر رواية، وفي موقف عيسو من أبيه اسحق رواية، وفي حب يعقوب لابنة خله رواية، وفي حكاية يوسف وأخوته رواية، وكم من حكاية وحكاية في التوراة. فالكتاب يجمع بين دفتيه حكايات العهد القديم في معظمها.
ولننتقل إلى الإنجيل. فالمسيح نفسه صارح سامعيه بأنه يخاطبهم بالأمثال لكي يفهموا. فحدثهم عن الابن الشاطر، وعن تجار الوزانات الخمس، وعن العاملين في الَكرْم الذين أقبلوا في أوقات متعددة ونقدم رب الكرم أجراً واحداً، وعن العذارى اللواتي يحملن زيتاً في مصابيحهن.