يخطئ من يحسب أن الحب وقف على جماعة الأرستقراطيين من الناس، وخاصة الحب الرفيع السامي، الذي هو ينبوع آدميتنا والذي تبتعثه السماء في قلوبنا ليصهرها بآلامه الحلوة، وأشجانه الجميلة؛ وليفجر منها دموع الرحمة والمودة والحنان. . . وقد ينمو الحب في كوخ من قش، كما ينمو في قصر، وقد يكون في الكوخ أصدق منه في البيت ذي العماد، وقد يكون في ركن منسي، أصفى منه في جنة فيحاء. . . وهكذا كان حب هذا الفتى ميشيل، الخادم الفقير في أحد فنادق روما
لله ما أقسى المقادير! لقد كان ميشيل، الفتى الإيطالي المرح، أحق بأن يكون شاعراً يودع روحه في قصائد رنانة، ينشدها ويتغنى بها، لا خادماً ينضد الوسائد، ويُعنى بالسُّرر، ويَنْفض السجاجيد. . . و. . . ينظف أحذية النازلين!! وكانت له أم لولاها ما اضطر لأن يعمل كي يكفلها، إذ مات عنها زوجها في السنوات الأولى من البناء بها. . . وكان يؤوب إليها آخر كل نهار بحبه لها، وحرصه على إسعادها، ثم بليرات قليلة تشفي السغب، وتضمن السَّتْر، وتقيم أَوَدَ الحياة. . .
وكان ميشيل يحب الموسيقى، ويغرم بالقصص الإيطالية، ويشغف بمآسي الحب، وكان يتمنى له وفق إلى أن يكون واحداً من أولئك الأبطال الذين يملأون الروايات بالدموع والآهات، وإن لم يعيشوا مع ذاك إلا في أدمغة مبتدعيهم من الكتاب والمؤلفين
وكانت تعمل معه في الفندق فتاة لم تكن في رأيه أول الأمر شيئاً مذكوراً، وإن يكن شعرها الذهبي يلفت نظره أحياناً، وساقاها الجميلتان اللتان لهما ظلال خفيفة من بنفسج الأبنين تثيران في قلبه (استلطافاً) لم يفكر مرة في أنه ينتج حباً أو يتأصل فيكون غراماً. . . لا. . . لم يفكر ميشيل مطلقاً في أن هذه الفتاة البائسة مثله، ستكون حلمه وأمنيته، وأنه من أجلها سيقضي أطول لياليه مسهداً كما يقضي الشعراء لياليهم في عوالم شاسعة من المنى والأحلام