كان القرن الثامن عشر في أوربا عامة، وفي فرنسا خاصة، عصر (العقل). . . عصر التفكير المنظم المنطقي سواء في العلوم وفي الآداب فلا محل في كتابات الأدباء ورسائل الفلاسفة للعواطف الجامحة والاحساسات الغامضة والمشاعر المختلجة والصبوات المضطربة التي تزخر بها النفس الإنسانية، والتي لا تخضع لمنطق ما. .
كل شيء في هذا العصر حاول المفكرون تقنينه وفلسفته لذلك ازدهرت فنون الأدب التي تحتاج قبل كل شيء إلى (العقل). . فنرى (القصة الفلسفية)، مثلاً، قد بلغت من الكمال حداً بعيداً على يد فولتير ومونتيسكيو وليساج وغيرهم وهذا الفن من القصص لا يحتاج إلى الانفعالات النفسية يصفها ويحللها، بل هو يعتمد قبل كل شيء على (النقد): نقد المجتمع المعاصر بعيوبه ومهازلها، ونقد الحالة الأدبية والدينية والسياسية للبلاد، في أسلوب من السخرية اللاذعة والتهكم الفلسفي الشيق وبسبب هذا الميل إلى التفلسف في القصة وقع المؤلفون، وإن كانوا من أئمة الكتاب، في شيء من الجفاء والإملال، وأبعدوا عن حقيقة الإنسان الحي ونفسه المضطربة العامرة بالمشاعر. .
فقصة (كانديد) للأديب الفيلسوف فولتيرن، وهي تعتبر خير قصة ألفت في القرن الثامن عشر على الإطلاق، لا يجد فيها القارئ سوى شخصيات فلسفية خيالية تمثل أفكاراً وتعبر عن مذاهب، وليس فيها من (الإنسانية) إلا الشيء القليل؛ فهي دمى وعرائس يحركها المؤلف لغرض في نفسه، غير حاسب حساب النفس البشرية بما تنطوي عليه من أسرار ومتناقضات وكان لا بد من رد فعل قوي لهذا النوع من (عبادة العقل) التي سيطرت على أغلب إنتاج القرن الثامن عشر. . . فالإنسان، لأنه إنسان، ليس عقلاً كله، ولا يستطيع أن يخضع القيم الذاتية لميزان المنطق وحساب الفكر الفلسفي المجرد وجاء رد الفعل في صورة المذهب الرومانتيكي
وكما غلا فلاسفة القرن الثامن عشر في تقدير العقل والمنطق والتفكير الفلسفي. . غلا الرومانتيكيون، أو إذا شئت فسمهم (الابتداعيين) في تقدير (الذاتية) والعاطفية، وفي تمجيد