للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

دار الإصلاح

للدكتور محمد عوض محمد

كنا نتذاكر حديث الحسن الموهوب والمجلوب. فقلت لصاحبي: رحم الله ذلك الشاعر العربي القديم، الذي كان ينادي بأنه ليس ممن يخدعه مظهر الجمال، ولا يستهويه طلاء مصطنع، أو رواء متكلف، ولا يفتنه حسن مجلوب بتطرية. أو جمال مشتري من دكان العطار. وكأني أراه إذ يجلس على دكة أمام داره يتأمل الوجوه الحسان إذ تروح وتغدو، فإذا رأى وجهاً عليه من التجمل أكثر مما به من الجمال، أقبل على جلسائه ضاحاً، وأنشدهم من شعره أبياتاً ساخرة، يختمها بالسؤال المشهور:

(وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟)

وكان يلقي السؤال فلا يسمع من جلسائه سوى الاستنكار. . . ذلك أن الناس في ذلك الزمان قد حكموا على العطار المسكين حكماً قاطعاً، بأنه عاجز كل العجز أن يصلح ما أفسده الزمان. . . . وأكبر ظني أن العطار نفسه - وان أنكر هذا الحكم جهاراً - قد آمن به سراً.

فقال صاحبي: غير أن هذا الحكم الصارم ما هو إلا كسائر الأحكام، عرضة لأن يتغير ويتبدل، حين يتغير الزمان والمكان، ولم يبق لدي اليوم شك في أننا بتنا في زمن قد علت فيه دولة العطار، وتألق نجم عزه، وأصبح قادراً على أن يثبت أن في وسعه إصلاح ما أفسده الزمان.

فأنصت إليّ كي أحدثك عن (دار الإصلاح). فان حديثها طريف معجب. . قصدت في الصيف الماضي إلى بلاد الإنكليز، وقضيت شطراً من الزمن في عاصمتهم، وأنت تعلم أن من عادتي أن أقضي الصيف في مدينة النور، غير إني اضطررت هذا العام أن أستبدل بها مدينة الظلام. ولا احسبني آسفاً على زمني الذي قضيته هناك.

أما الدار التي أدعوها (دار الإصلاح) فقد كان من أمرها إني ذهبت ليلة ألتمس ملهىأقضي فيه المساء. فجعلت أطوف بشوارع لندن ذات الطول والعرض، متنقلا بين اكسفورد ستريت إلى شافتسبري أفنيو، إلى بيكاديلي، إلى لستر سكوير. . متأملا المسارح ظاهراً،

<<  <  ج:
ص:  >  >>