ومستفسراً عما اشتملت عليه باطنا، حتى وقعت عيني على مسرح (الحمراء)، فأعجبني منه ذلك الظهر الشرقي المتقن، كما أعجبني ما بداخله من نقوش عربيه بديعه، فيها ما يكفي لتبرير ذلك الاسم الأندلسي. وكانت به عندئذ جماعه من الراقصين الروس وهم حديث الأندية في لندن في ذلك الوقت. فلم يطل ترددي وبادرت بشراء تذكره
ونعمت ليلتي تلك بمشاهدة رقص عجيب، والأنصاب إلى نغمات موسيقية شائقة. فلقد نبغت تلك الجماعة في محاكاة الموسيقى الدقيقة العويصة بحركات جسديه ناطقة. وفي ترجمة النغمات المطربة المشجية إلى وثبات وخطوات واهتزازات، تكاد تفوقها شجواً وطرباً وإبداعاً. ولست أنسى حتى الساعة كيف مثلوا لأعيننا (الحظ) بحركات الراقصين والراقصات على عزف الآلات، فكنت كأنما أرى بعيني - مجسما أمامي - كيف يقبل الحظ، فإذا السعادة قد ملأت الكون، وإذا الوجوه تطفح بالبشر، وإذا السرور باسط جناحيه، ثم نراه بعد ذلك مدبرا، فإذا السرور قد استحال حزنا، وإذا العالم قد امتلاء هموما وشجنا. . . ولا حاجة بي إلى الإفاضة في ذكر ذلك الرقص، الذي لم يكن له صله بدار الإصلاح، لولا أنني في فترات الاستراحة كنت أنظر في كراسة اشتريتها قد اشتملت على برنامج الحفلة، وعلى كثير من الإعلانات. وكانت الفترات طويلة فأعدت قراءة هذه الكراسة مرارا. ولم يفتني مما بها شيء. وقد لفت نظري إعلان بها عن (دار الإصلاح): فرأيته يزعم أنها دار معجزات، تدخلها العجوز الشوهاء، فتخرج منها غانية حسناء. .
وكأن ليس بالعالم دمامة مهما قبحت، ولا سحنة مهما انقلبت، إلا وفي وسع أصحاب هذه الدار أنيحيلوها إلى حسن باهر وجمال بارع، ويزعمون أن ليس الإصلاح لديهم من سبيل الترقيع الذي يزيد القبيح قبحاً،
والدميم دمامة. بل هو إصلاح شامل كامل، يلف المرء من قمة رأسه إلى أخمص قدمه. . . قرأت هذا كله فابتسمت ابتسامه الساخر. وعند مغادرتي المسرح هممت بأن ألقي بهذه الكراسة بعيدا، ولكني لم افعل، بل طويتها باعتناء ووضعتها في جيبي. وكأنما كنت حريصا ألا يضيع مني عنوان تلك الدار. . فمن يدري لعلي يوما أن تثور نفسي على هذه الصورة التي صحبتني كل هذه السنين فأريد ان أستبدل بها صوره أحسن منها. .
ومضت على تلك الليلة أيام قلائل. وإني لجالس في صباح يوم أطالع (التيمس) في شيء