أما وقد قرأت في مجلة (الرسالة) الغراء مقالين: أحدهما عن (الحياة الأدبية في دمشق) بقلم الأستاذ علي الطنطاوي، والثانية عن الحياة الأدبية في بغداد بقلم عبد الوهاب الأمين، ورأيت من صاحبيهما التبرم والتشكي من ضعف الحياة الأدبية كل في بلده ومن تصوير مظاهر الضعف في هاته الحياة التي كادت تزري بتقدم البلاد من النواحي الأخرى؛ أما وقد قرأت هذا فيحسن بي أن أضم صوتي إلى أخوي الدمشقي والبغدادي، فأكتب كلمة عن الحياة الأدبية في المغرب ليعرف الأخوان والقراء أيضاً أن المغرب قد أغترف غرفة مما غرفت منه دمشق وبغداد، وأن المغرب شريك القطرين العربيين في هذا الضعف المزري بهما
إذا نظرنا إلى المغرب الحديث وأنعمنا النظر في ناحية من نواحيه المهمة، تلك هي الناحية الفكرية والعلمية، وأردنا أن نسير غورها بمسبار لنعرف مدى ما بلغته من الرقي والانحطاط، من القوة أو الضعف، من النهوض أو الجمود، إذا أنعمنا النظر في هاته الناحية استطعنا أن نخرج بنتيجة لا ترضي. . . تلك النتيجة هي في - صراحة - أن المغرب الأقصى يتخبط في ديجور من الجهل قاتم، وفي بساطة فكر مفرطة، وفي خمود وجمود لم يسبق لهما مثيل في عصوره التاريخية. إذا تساءلنا هل هنالك حركة فكرية أو علمية تسود المغرب الأقصى حتى يجنى من ورائها ما يزيح به هاته الظلمة التي تغمره من أقصاه إلى أقصاه وحتى تكون حداً فاصلاً بين هاته (الفترة) وبين الحياة العلمية المترقبة وذهبنا، نلتمس الجواب عن هذا السؤال بالنظر في المغرب والبحث عن مظاهر هاته الحركة حتى وصلنا إلى مهد حركاته العلمية في عصوره السالفة إلى (كلية القرويين) التي أنجبت فطاحل علماء المغرب، استطعنا أن نخرج بالنتيجة الآتية وهي: إن هاته الحركة التي نبتغي البحث عنها وعن مظاهرها هي شيء لم يوجد حتى الآن، بل هي حلم لذيذ يطرق أفكارنا كطيف الخيال، غير أن هنالك شبه حركة علمية تغذيها كلية القرويين ونظامها الجديد ولكن. . على حال مشوهة لا ترضي ولن ترضي - إذا بقيت الحال كما نرى - فإذا ما أطلقنا عليها (حركة علمية) فقد عرضنا أنفسنا لظلم الحقيقة والتاريخ.