وفضلاً عن ذلك، فأن التوقف لا يؤدي إلى الغاية التي ينشدها فيرون، فإذا كانت تلك الغاية هي السعادة. والسعادة شعور النفس بها عند الانتقال من ضدها وهو الشقاء، فإن انعدام الشقاء انعدام للشعور بالسعادة، وصدق الشاعر (وبضدها تتميز الأشياء). وفيرون إنما سعد ليشقى.
ثم إنه لم يفهم الألوهية، ولم يحاول فهمها، وقد أوتي وسيلة الفهم وهي العقل، وبذلك عطلها وأسقطها من حسابه، أما الخضوع للعرف والدين والقانون خضوعاً آلياً فذلك مما لا يبرره عقل صحيح لأنه إذ يعترف بأنها أمور اتفاقية اصطلح الناس عليها فيما بينهم فقد اعترف ضمناً بأن للفرد حظاً مشتركاً في إقامة صرح القانون، فما أشبه فيرون هنا بعابد الصنم وهو من صنع يده.
وشك عندي في أن فيرون قد تأثر كثيراً بالمذاهب الهندية القديمة، وآية ذلك ما يقوله (فيكتور كوزان (كانت الحقيقة المطلقة عند (كاريكا هي الإفطار المطلق) كما أن الآلام عند البرهميين لا تأتي إلا من الآمال، فالتزموا العزلة، والفارق مع ذلك واضح بين الفيرونية والسفسطائية: كان السفسطائي منكراً لكل شيء، ولكن فيرون لم ينف ولم يثبت. والسفسطة هدم العلم، والشك الفيروني توقف، والسفسطائيون كانوا يبتغون العز والجاه والأناقة وزهد فيرون كل ذلك. وهم لم ينتهجوا نهجاً حين يسفسطون، وهو على نهج واضح حين يشك.
وفيرون كان تلميذاً لمترودور (لا نستطيع أن نعرف شيئاً بل نحن لا نستطيع أن نعرف إن كنا نعرف أو لا نعرف) وهو أيضاً تلميذ لديمقريطس القائل (نحن لا نعرف من الحقيقة إلا ما يعرض لنا بحسب الحالة التي عليها أبداننا، وبحسب طبيعة ما يرد على حواسنا وما يصدر عنها).