أويت إلى مرقدي حين الظهيرة فلمحت العدد الأخير من مجلة الرسالة فأخذته آنس بمطالعة عناوينه إلى أن يُريح عليّ النوم راحتي وجمامي، ووقع بصري على حديث أخي الدكتور زكي ذي الشجون والأشجان فسارعت إلى الفصل الذي عنوانه:(الشيخ عباس الجمل) أرجو أن أطلع فيه على بشرى أو فكاهة أو دعابة فقرأت ما روّعني وعزب بسروري وراحتي وأقض مضجعي قرأت قول الدكتور وهو يعنى على أدباء مصر تجافيهم: (فجع الشيخ عباس الجمل بغرق ابنه طاهر وهو يقارع أمواج البحر في دمياط فما تحركت يراعة أديب لمواساته في ذلك الرزء الجليل)
(وبترت ساق الشيخ عباس منذ أسابيع فما بكى شاعر ولا تأثر كاتب لمصيبة الأديب) الخ
فأما المصيبة الأولى فقد عرفتها من قبل وراعني نبؤها وأنا في اسطنبول منذ أربع سنين؛ وأما المصيبة الأخيرة فما عرفت نبأها الفاجع إلا من كلام الدكتور زكي وقد وقعت من نفسي وقلبي موقعاً مفظعاً أليماً
وإذا بي أجلس واجماً تسير بي الذكَر في عالم من مصائب الماضي والحاضر، وتسرح بيَ الفكَر فيما أصاب الرجال الكبائر من أحداث وأرزاء، فذكرت فيما ذكرت عقبة بن أبي وقاص حينما قطعت رجله في الموقعة يوم صفين فلبث يقاتل مرتجزاً:
الفحل يحمي شوكه معقولاً
وتذكرت هذا الفارس العربي عبد الله بن شبرة الجُرَشي وكانت يده قطعت في موقعة فلطاس إحدى وقائع الروم فقال يرثيها في أبيات أولها:
ويل أم جار غداة الروع فارقني ... أهْونْ عليْ به إذ بان فانقطعا
يميني يديْ غدت مني مفارقة ... لم استطع يوم فلطاس لها تبعا
ثم إذا بي أسير إلى خزانة كتبي ألتمس عروة بن الزبير لأقرأ ما قال حين أصيب برجله، وأتأسى بما عزاه به أصحابه، وذكرت قول أحد المعزين له:(يا أبا محمد والله ما أعددناك للصراع ولا للسباق، ولقد أبقى الله لنا أكثرك: عقلك وعلمك) وطلبت بقية هذا الكلام في مظانه فلم أهتد إليه، ولكني وجدت في ابن خلكان خبر عروة حين صبر لقطع رجله لا