للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في عيد المعري]

من حلب إلى دمشق

للدكتور عبد الوهاب عزام

عميد كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول

كان أعظم ما رأيت من آثار حلب ذلك اليوم مقبرة الفردوس وكنت سمعت بها، وحرصت على رؤيتها في زورتي لحلب قبل ثماني سنين فأُعجِلت عنها آسفاً.

وهي مقبرة نادرة بنيت على هندسة المساجد، أو مسجد اتخذت أروقته للقبور. يدخل داخلها إلى صحن شرقية وغربيه رواقان في مستوى الصحن وفي جهة القبلة منه مسجد، وفي الجهة الشمالية عقد كبير فوق رواق مرتفع. والرواقان اللذان على جانبي الصحن بهما قبور أكثرها قديم وبعضها حديث. ويرى الداخل إلى المسجد ثلاث قباب: الوسطى وهي الكبرى تقوم فوق مصلى، وعلى جانبي هذه القبة قبتان أخريان تحت كل منهما حجرة كبيرة فيها قبور: فالبناء في جملته مقبرة مشيدة على هيئة مسجد. . . وما رأيت فيما رأيت من الآثار الإسلامية مقبرة أخرى على هذه الشاكلة. وشمالي هذا البناء حديقة ذابلة يشرف عليها رواق كبير خارجي وراء الرواق الداخلي الذي في شمالي الصحن. وعلى جوانب الصحن والمسجد كتابة كثيرة أعجلني ضيق الوقت عن قراءتها كلها. وهي آيات من القرآن وأبيات، وكلمات مأثورة.

وكان في عشية ذلك اليوم، يوم الخميس ١١ شوال، احتفال حلب بذكرى المعري، فاحتشد جمع عظيم في فناء المدرسة الثانوية وقد أخذت زينتها من الأعلام والمصابيح، وتكلم هناك من أدباء العربية: السيد طه الراوي، والدكتور طه حسين، والأستاذ عبد القادر المازني؛ وأدباء وشعراء آخرون وكان يوماً مشهوداً.

وأصبحنا نتأهب للمسير إلى اللاذقية وودنا أن نفسح الوقت للتلبيث في حلب. وفصلنا من مدينة سيف الدولة ضحوة الجمعة فضربنا صوب الغرب والجنوب في سهول خصبة فيها آثار الكدح والدأب حتى لاحت إدلب بيضاء بين أشجارها. وأكثرها أشجار الزيتون، وكانت سيارتنا متقدمة فوقفت في ظاهر البلد ليلحق بنا الركب. ثم دخلنا المدينة فإذا حشد

<<  <  ج:
ص:  >  >>