للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يخلقه في طبائع الناس حتى يخلفه خلق جديد لم يكن معلوماً قبل مئات السنين، فقصارى ما في الأمر أنه سماه وفسر معناه، وترك العيون تنظر كما كانت تنظر، والآذان تسمع كما كانت تسمع، والأجسام البشرية تغدو وتروح كما كانت تغدو وتروح.

فالرمزية سليمة في حدودها الأولى، وهي حدود الاعتراف بالخفايا والأسرار، ولكنها دعوة مريضة عوجاء حين تنكر الوضوح لأنه وضوح وكفى، وتشيد بالتعمية لأنها تعمية وكفى.

وميزان الصدق في هذا المذهب أن يكون الرمز ضرورة لا اختيار فيها. فأنت تفصح حتى يعييك الإفصاح فتعمد إلى الرمز والإيحاء لتقريب المعنى البعيد لا لإبعاد المعنى القريب. والأصل في الإبانة عن الذهن أو النفس أن يحاول المبين جهده توضيح معناه حتى تعييه العبارة فيلجأ إلى الإشارة، فلا يكتب بالهيروغليفية ما يقدر على كتابته بالحروف الأبجدية، ولا يؤثر الكناية وهو قادر على التصريح.

أما من يقول بنقيض ذلك فليس عنده في الحقيقة ما يقول، وإنما هو مزيج من الببغاوات والدجالين يلفظ بالكلام ولا يفقه معناه، ويخلط الحق بالباطل على النحو الذي قدمناه.

عباس محمود العقاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>