للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كذبة إبريل]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

في أول إبريل يحلو لبعض الناس أن يكذبوا، ويطيب لهم أن يزعجوا بهذا الكذب إخوانا لهم، أعزاء عليهم، إثراء عندهم. ولو اختصوا بالكذب المثير أو المزعج، أو الذي يورث المتاعب، غير الأوداء والأصدقاء: أي الخصوم والأعداء، لكان هذا أقرب إلى العقل وأشبه بما ينبغي أن يكون، فما يبالي المرء على أي حال من السوء يكون عدوه، وكلما زاد الشر الذي يقع فيه أو ُيمنى به العدو كان ذلك أشرح لصدر عدوه وأثلج لقلبه. ولكن الصديق شيء آخر، والإنسان جدير أن يخجله أن يركب صاحباً له بدعاية مؤذية، وأن يضحك ويفرح بما ينزله بهذا الصاحب من السوء

وقد لقيت في أول إبريل هذا من المتاعب ما بغضه إلي، حتى لتمنيت على الله أن يلههم الناس حذف الشهر كله، وإسقاطه أجمعه من تقويم العام

صبحني واحد، وأنا أجلس إلى مكتبي، بأن برقية وردت بأن ألمانيا قذفت بجيشها على أرض بولندا، وأن القتال يدور بين الطلائع النازية وقوات الدفاع، فسألته: (أتتكلم جادّاً؟)

قال وهو يشير إلى ورقة في يده (هذه هي البرقية. اسمع ترجمتها)

فتفرست في وجهه وحدجته بنظرة فاحصة، فلم أر ابتساماً، ولا ما يشي بأنه يهم بالابتسام. فقلت: (إني كنت، وأنا آت إلى هنا، أحدث نفسي بأن أكتب في التصريح الذي ألقاه المستر تشمبرلن أمس في مجلس العموم البريطاني، وكنت أريد أن أقول إنه من العوامل المرجحة لكفة السلم؛ ولكنك تروي لي نبأ غريباً، لا يكاد يقبله عقلي، فهات لي هذه البرقية لأقرأها فإني لا أكاد أفهم، واحسبني سأجن، فما أعرف لماذا تجازف ألمانيا هذه المجازفة التي ليس لها أي موجب، ولا من ورائها أي خير لها أو لسواها)

وانتزعت منه الرقعة فإذا هي قديمة وتاريخها أول مارس، وليس فيها أي ذكر لألمانيا أو بولندا! وماذا يبالي صاحبنا هذا أن يهدم لي الدنيا، وأن يحيلها حولي أنقاضاً، وأن يدير لي رأسي حتى ما أعود أعي شيئاً؟!

وبعد نحو ساعة، طُلبت إلى التلفون، فقمت إليه، فإني أكره أن تكون آلته على مكتبي، أو في الغرفة التي أنا فيها، ولا أعرف ما هو أشد إزعاجاً لي من صوت جرسه حين يدق

<<  <  ج:
ص:  >  >>