للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رحلات عزام]

الرحلة سبيل من المعرفة، وفي الأمثل: من يعش ير كثيراً، ومن يمش ير أكثر، وفي الزمن القديم كانت الرحلة وحدها متصل الفكر بالفكر، وملتقى المتعلم بالعلم. ولا يزال لها في الزمن الحديث علمي سرعة الاتصال بين أجناس الناس في بقاع الأرض بالإذاعة والصحافة والنشر، أثر ظاهر في اكتساب العلوم وتقدم الثقافة وهي في تاريخ الإسلام بوجه أعم، وفي تاريخ الأدب بوجه أخص عظيمة الخطر في جمع اللغة ورواية الحديث، قوية الأثر في نشر الأدب وتوسيع الفقه، وكانت الرحلات الذاهبة الآتية من العراق إلى مصر، ومن مصر ومن مصر إلى الأندلس ومن هذه الأقطار جميعاً إلى الحجاز، مورداً ثراً لعلوم الدين وفنون الأدب، جنيناً من ثماره طائفة كثيرة من عيون الكتب في وصف البلاد وطبائع الشعوب وتراحم الرجال، وغرائب العادات وعجائب الكائنات، وطرائق الملح.

على أن الله لم يؤت الرحالين أجمعين مثل ما آتي البيروني، والبغدادي وابن جبير وأبن بطوطة وإضرابهم، من قوة الملاحظة وشهوة التطلع وحب التحدث ورغبة الإفادة ولم يؤت الله هؤلاء جميعاً ما آتاه صديقنا الدكتور عبد الوهاب عزام بك، من صحة العلم وسلامة الحكم ودقة الفهم وخفة الروح وعذوبة الفكاهة ولطف النادرة وجمال الأسلوب.

رحل الأستاذ إلى أكثر البلاد العربية والإسلامية في عهدين مختلفين عهد غلب فيه التأثر الأول والشعور البادر والنظر العجلان وقدوته (الرحلات الأولى) وعهد غلب فيه الإدراك الكامل والاستيعاب الشمال والتحقيق الدقيق وقد ضمته (الرحلات الثانية) وهي التي نقدمها اليوم إلى القارئ بهذه الكلمة الوجيزة وغاية الرحالة في العهدين ومن الرحلتين هي التعريف بأمصار العروبة وبلاد الإسلام وليكون التعريف سبيلاً إلى التعارف وعونا على التآلف وتمهيدا للوحدة.

وهذه الرحلات التي رحلها البحاثة الوصافة عزام إلى فلسطين، ثم إلى الشام، ثم إلى الهند، ثم إلى الحجاز وتجد، صور من البيان وطرف من الأدب ودقائق من العلم ورقائق من الفن ينقلك سحرها بحواسك ومخيلتك إلى تلك الأماكن الموصوفة فتشاهد المناظر، وترى الأشياء وتسمع الأشخاص كأنك رحلت وحللت وصاحبت في المقل وساهمت في المآدب وشاركت في الحديث وإن الإشعاع الذي ينشق من روح الكاتب على سطور الكتاب ليهدي روحك إلى روحه ويدل شعورك على شعوره فتتحد أنت وهو في الزهو بماض مرموق كله

<<  <  ج:
ص:  >  >>