الطفل أب الرجل كما يقول الانجليز، وهو قول صحيح من كل الوجوه، لأن الرجولة مهما اختلف لونها، ليست إلا ثمرة لهذه البذور التي نبذرها في تربة الطفولة الغفل، إن خيرا فخير وان شرا فشر، وفي هذا قال الفيلسوف ليبنتز قوله المشهور:(سلمني قياد التربية وأنا كفيل بتغيير وجه أوربا في قرن وأحد من الزمان) يريد بذلك انه يستطيع أن (يصنع) ما يشاء من الرجال ما دامت تربية الأطفال موكولا أمرها إليه يتوجه بها إلى حيث شاء.
فأن كان هذا حقا لا يحتمل الشك والجدل، فما أحوجنا إذن إلى وضع الخطط المحكمة وتمهيد الطرق التي تؤدي بأطفالنا -
وهم رجال الغد - إلى الرجولة قوية صلبة لا تميل ولا تلين.
وليس من الشك في أن امثل الطرق لتي تحقق لنا هذا الغرض المنشود، هي ما سارت مع طبيعة الطفل وغريزته، أعني يجب أن نقدم له من وسائل التربية ما يتفق مع غرائزه التي تختلف باختلاف السن حتى نفلح الحديد وهو ملتهب. ولما كان ابرز ما تتميز به طبيعة الطفل في سنيه الأولى هو الخيال القوى الشارد، وجب أن نعد له ما يلائمه من غذاء وهو القصة الخيالية، التي نحوكها بحيث نبث في ثناياها مثلا عليا في الأخلاق، بطريقة غير مباشرة. فينطبع الطفل بطابعها وهو لا يشعر.
وليست تقتصر القصة التي نقدمها للطفل على هذه الناحية التربوية، بل إن لها جانبا آخر لا يقل عن ذلك أهمية وخطراً، وهو أن يكون للطفل أدب خاص به، يجد فيه صورة نفسه، ويصادف عنده متعة تحبب إليه الحياة وتروضه على لذة الدرس والمطالعة، فيستمتع بها في أوقات فراغه طفلا وشابا ورجلا.
هذا النوع من القصص التي تهذب الطفل وتمده بما يحتاج إليه من أدب هو ما يقدمه الينا اليوم الأستاذ حامد القصبي في كتابيه (التربية بالقصص) اللذين أعدهما لمطالعات المدرسة والمنزل، فنجح نجاحا يهنأ عليه تهنئة خالصة صادقة، ولم يفته أن يكتبهما بالخط الكبير وان يزينهما بالصور التوضيحية التي تلائم مزاج الأطفال وتبعث إلى نفوسهم اللذة والسرور فجاء مثلا للتأليف الطريف الممتع.