للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهناك في ربوع الشرق الأدنى، والتي تثير النفس شتى العواطف والذكر. في المسجد الاقصى، عند مبكى اليهود، في كنيسة القيامة؛ على جبل الزيتون، في إيوان كسرى، في الحدائق المعلقة، في ضريح الأمام الرضى، وغيرها. . . كما خالطت وإياه هذه الطوائف المختلفة، فعرفتها معرفة حية بعد أن كانت مجرد أسماء تتردد: السامريون، الدروز، الشيعة، الصابئة، اليزيديون عبدة الشيطان وغير هؤلاء.

وللأستاذ ثابت مقدرة ممتازة في الوصف الدقيق لما يشاهده باسلوب سلس فتشعر كأنما هو يتحدث اليك عن رحلته حديثاً حلواً شيقاً، بحيث يترك في ذهنك صورة قوية، كثيراً ما تميل بك إلى العقيدة بأنك قد رأيتها رأي العين، ولا تكاد تقتنع بأنها صورة قلمية فقط قرأتها عند الأستاذ ثابت!

كنت أشعر بحلاوة الحديث، واندفع مشوقا إلى القراءة متنقلا من بلد إلى بلد. . . . ولكن لم يستطرد معي هذا الشعور في كل انحاء الكتاب، فكأنما عز على الأستاذ ثابت أن يمتعنا متعة محضة خالصة، دون أن يصدمنا في الحين بعد الحين صدمة عنيفة، يضيق بها الصدر، يود عندها القارئ أن لم يكن ذلك الكلف على تلك الشمس المشرقة الضاحية! وإنما اعنى بتلك الصدمات، هذه الحقائق العلمية التي ركزها في صفحات قليلة، نثرها في أركان الكتاب كأنما يريد بها أن يبلو صبر القارئ على القراءة وجلده على احتمال العلم الصارم. وكم كنت احب - وليس الأستاذ ثابت بالطبع مكلفا بأداء ما أحب - أن يكون الكتاب كله من ذلك النوع الذي لا أستطيع أن أقرأه إلا في كتاب الرحالة الذي شاهد ورأى، وقد يكون من الأثرة أن اغتصب الحكم لنفسي دون القراء جميعا، فها هو الكتاب بين أيدي القراء فلا حاجة للاقتباس أو ايراد الشواهد.

ومع أن الأستاذ قد أخذ علينا طريق هذا الاعتراض انه إنما أراد بمزج هذه بتلك، أن يكون الكتاب أداة ثقافية بجانب اللذة والمتاع، فعلى هذا الاساس من وجهة النظر نوافقه في شئ من القلق وبعد، فقد اشترك الأستاذ الرحالة قراءة معه في حياته الزاخرة، وكان عليه وحده الغرم، غرم الارتحال وعناء التسطير ولقرائه الغنم، غنم الفائدة والمتاع السائغ.

زكي نجيب محمود

<<  <  ج:
ص:  >  >>