للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فصول ملخصة في الفلسفة الألمانية]

٢٤ - تطور الحركة الفلسفية في ألمانيا

الناحية السلبية من مذهب نيتشه

الإنسان

للأستاذ خليل هنداوي

إن انتشار مذهب الشفقة - في هذا الجيل - دليل على أن الإنسان أصبح يزداد خوفه من الألم. أصبح متراخيا، مخنثا يخشى من كل ما يعكر عليه طمأنينته ووجوده، لا يحمل الفرار من الألم وحده، بل لا يستطيع أن يتصور فكرة الألم عند الآخرين، حتى لا يقدر أن يؤلم الغير عندما يطلب العدل منه ذلك باسم العدل. الرحيم يبسط شفقته حتى على المجرمين والمسيئين (وقريبا يأتي ذلك اليوم الذي يتراخى فيه المجتمع الإنساني ويقعد عن معاقبة المجرم الذي يضره. لماذا يعاقب المجرم؟ إن المعاقبة يرى فيها ضربا من ضروب الجور. فكرة القصاص وضرورة القصاص تسوؤه. أليس في إقصاء المجرم وغل يديه عن عمل السوء ما يغني؟ فلماذا القصاص إذن؟ إن القصاص يضني. أما المثل الأعلى الذي يطلبه (وحش القطيع) فهو جزء ضئيل من السعادة المحققة لكل إنسان، يرافقه شيء ضئيل من الألم. إن الشقاء - عندهم - شيء يجب محقه

إن نيتشه - في هذا الفصل وهو خير فصوله - يعتقد أن الجبن والخوف من الألم هما من الصغار والحقار بمكان، إن الألم هو في الحق معلم الإنسانية وهو الذي يحقق أحسن نماذج شريفة. (أنتم تريدون سحق الألم ونحن نريد أن تكون الحياة أكثر قسوة وأشد رداءة. إن الكائن السامي الذي تفهمونه، نرى فيه (غاية) ولا نرى فيه (نهاية). نرى فيه مرحلة يبدو الإنسان من ورائها شيئا حقيرا مزريا حتى يدرك آخر عهده، بلى! في مدرسة الألم الكبير، في مدرسة هذا المعلم القاسي يتم الإنسان مراحل تطوره، أليس التضييق على هذه النفس الساقطة تحت أعباء الشقاء يزيدها قوة وصلابة! أليست هذه الرجفة التي تنتابها بازاء الحادثات الكبرى تزيد قوة احتمالها وصبرها وثباتها وتحويل المصائب إلى دروس مفيدة. كل هذا ألم يؤول بالنفس - في مدرسة الألم - إلى خروجها مهذبة نقية؟ إن في الإنسان

<<  <  ج:
ص:  >  >>