للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رسَالة النقد

السراب

للأستاذ ثروت أباظة

هي القصة الرائعة التي أنمها الفنان العبقري نجيب محفوظ، وقد أدار حوادثها في بيئة متوسطة ليست بالوفيرة الغنى ولا هي بالمدقعة الفقر.

أطلق الأستاذ نجيب قصته على لسان شاب في طريقه إلى إغلاق الحلقة الثالثة من عمره. . . فهو يقص علينا حياته بادئا بالفطام منتهيا بما يرفع عنه القلم. . . وقد عاش حوله أشخاص كثيرون كان شأن نجيب معهم شأنه دائما مع شخصياته جميعا، يمسك بزمامهم في قوة المتمكن العتيد ويحركهم في دوائرهم المرسومة راسما في كل حركة من حركاتهم خطا بصور ما تنضم عليه نفوسهم من خير أو شر فتعرفهم وتعيش معهم فكأنهم أصدقاء العمر دون أن يقدمهم لك القاص ودون أن يقدموا هم أنفسهم. . . بحسهم وبحسبك أن يسيرهم نجيب وأن تتابع أنت سيرهم فإذا هم الأصدقاء القدماء أو هم - على التقدير المتواضع - أناس عرفتهم فأحسنت المعرفة.

بطل القصة (كامل رؤية) يتابعه نجيب أو هو يتركه يتابع نفسه ويروي لنا أن نشأ كعود وحيد في حقل كبير لا يعتني به إلا الأرض وصاحب الحقل، وقد كان أرض (رؤية) أمه وكان صاحب الحقل جده. وهكذا كان الولد مشدوداً في طفولته إلى فستان أمه أيا كان نوع هذا الفستان فهو معها في كل مكان وهي تأبى عليه ألا أن يكون كذلك. حرمت عليه لعب الأطفال وحرمت عليه الخروج حتى إذا ما ذهب إلى المدرسة عجز عن رد السخرية بل عجز عن الكلام حتى لنسمعه حين يسرح يقول للأستاذ (يا نينه) فتبقى الكلمة علما عليه طول أيامه في هذه المدرسة. . . ولم تكن الأم بالمثقفة حتى تفتح ذهنه إلى شيء. كل ما علمه عن الحياة أن له أماً وله جداً وله أبا سكيراً لم يقم مع أمه أكثر من شهور متفرقة. . . أنجبت أو هي في الحقيقة جلبت فيها إلى الحياة ثلاثة أفراد: بنتاً وولدين كان بطلنا صغيرهم - عاش مع أمه التي تعيش مع أبيها الضابط المتقاعد. . هذا هو كل ما عرفه كامل، وهذا هو ما ظل يعرفه من أمور الدنيا حتى بلغ الخامسة والعشرين من عمره، فهو شخص خامل جبان، يخاف الحياة ويخاف الموت، ويخاف الناس ويخاف نفسه، غبي،

<<  <  ج:
ص:  >  >>