الشعراء ثلاثة: شاعر موهوب ينفث من صدره معنى الفاظه، ويستخرج من لغته ألفاظ معناه! ينحدر إلى طبعه عند البيان، وينطوي على نفسه لينشرها ويجلو المبهم منها، ويدع العرض العابث، ويفرز المتداخل المتشابك، ثم يسجل الخلجة الجميلة أو الخاطر الأصيل وكأنما يلد من لحمه ودمه جنيناً حياً، يكفله ويحبه ويحرص على أن يكون قوياً نشيطاً صحيحاً، ويأخذه بألوان من التهذيب والرعايا والنضارة حتى يثمر ويؤاتي أكله. ولئن نصب الشاعر في الولادة، وعانى ألم البيان، فلقد يستمتع بمرأى الوليد النضر الجميل يسعى وينطق، ثم يكون له أثره القوي في الوجود، ونصيبه الموفور من الحياة، وفضله العميم على الناس. .!!
وشاعر مفلس لو اجتمع المرثاء، واعتزم التعزية والبكاء، لتصفح المراثي الباكية واحدة واحدة، ومعنى معنى، وبيتاً بيتاً، ثم اختلس هذا، وشوه هذا، وحرف ووجه وزاد. . لقد يقتفى المسكين روائع غيره، ويختبئ وراء نظمه، وينزل عن شخصيته، ويسف بكرامته - حباً للذكر والأحدوثة!
قال التاريخ:(عبثاً ينتج شاعر الصنعة وشاعر السرقة)
الألفاظ! الألفاظ!
أداة المبين، ووكر المعنى، وسر الفن! والشاعر العبقري من عرف كيف يزاوج بينها ثم أحسن التأليف، وأبدع الموسيقى، ونشر الجرس! فإنما الشعر لو تدبرت نغم علوي لطيف يهز الأذن، ويشيع في القلب، ويحيا في النفس، ويخلد في الذاكرة، ويرن في الخيال. كان اللفظ وما يزال الساحر العجيب الذي يلعب بالأهواء والأعصاب كما يلعب المرتاض بكرة القدم، ولعلك تذكر فيما تذكر درامة شكسبير في يوليوس قيصر، وقوة البيان عند انطوان