نظر الإنسان من قديم إلى القمر، فوجد بعض سطحه نيِّرا كثير النور، وبعضه قاتما قليل القتومة، فتخيل عنه الأخيلة.
وجاء التلسكوب فنظر إليه منه فزاد تفصيل ما كان يراه أجمالا، فرأى مناطق الأنوار قد اتسعت، ومناطق الظلال قد امتدت، وتداخل النور في الظل، وتداخل الظل في النور، وتمثلت في ذهنه صورة الكرة الأرضية ببحارها الواسعة وقارَّاتها المديدة، وعرف البحر يدخل في الأرض، وعرف الأرض تدخل في البحر؛ وعلم أن الأرض تكون بها الجبال العالية الرواسي فتظهر في الشمس للرائي البعيد واضحة وضاءة، وتكون بها الوديان المنخفضة المستورة فتظهر في الشمس للرائي البعيد قاتمة معتمة، فطبق الإنسان علمه الأرضي على ما أرتاه في القمر من ظلال وأنوار، ورسم الرسامون خرائط لوجه القمر كثيرة دقيقة، فأما المناطق التي برزت بنصاعتها فأعطوها أسماء فلاسفة معروفين، أو فلكين مشهورين، لأنهم خالوها جبالا شواهق خالة فتخلد أسماءهم، وأما المناطق التي امتازت بحلوكتها فحسبوها بحار أو محيطات فأسموها البحر الحبيس والمحيط العاصف.
وغير ذلك من أسماء تسلس في السمع وتجوز في الإفهام وزاد الإتقان في صناعة التلسكوبات فاحتد بها بصر الإنسان ودقة ملاحظاته، واستخدم التصوير الشمسي في التقاط ما يرى من صور، فعلم من أمر القمر ما لم يكن يعلم، ومع ذلك احتفظ علم الفلك بالأسماء الرنانة التي وضعت قديما أعلاما على مناطق القمر.
ويظهر إن الإنسان عز عليه فقدان هذا الحلم العزيز، فلما قام صوت يجدده ويحييه منذ مائة عام وجد له آذانا تصغي وقلوبا تؤمن. ذلك إن العالم الفلكي المعروف الدكتور جون هرشل ذهب في بعثة إلى جنوب أفريقيا لدراسة النجوم في وسط السماء الجنوبي كما درسها في