[البريد الأدبي]
حول نعيم الفردوس
لبعض القراء غرام بتعقب ما أكتب في الدين من حين إلى حين، لأنهم
يتوهمون أن الذين في مثل حالي من المشغولين بالدراسات الفلسفية
يغلب عليهم التطرف والخروج على المألوف من قواعد الدين.
وأنا أرحب بالنقد، وأراه علامة من علائم الحيوية العقلية فلا يضايقني أن يكون في القراء من يراقب ما أكتب في الشئون الدينية عساه يجد مجالاً للتعقيب أو التصحيح.
ولكن الذي أنكره على بعض القراء أن يحرِّف الكلم عن مواضعه ليصح له أن يصورني بصورة المسيء، كالذي وقع من الفاضل الذي زعم أني قلت:
(اشغلني عنك، يا رباه، بما في الجنة من أطايب النعيم) ليجوز له أن يقول؛ (فهل رؤي سوء أدب وسوء فهم للدين كالسوءين المتجسمين في دعاء زكي مبارك هذا)؟
وأنا لم أقل ما نسبه إلي هذا الرجل الفاضل، وإنما قلت:
(اشغلني عنك، يا رباه، بما في الجنة من أطايب النعيم، فإن بصري أضعف من أين يواجه نورك الوهاج).
وهذه العبارة هي غاية الغايات في الإيمان بعظمة الله ذي العزة والجبروت، ولكن ذلك الفاضل حذف الشطر الأخير ليجد الفرصة لادعاء الغيرة على الدين، فهنيئاً له ما ظفر به من التقول على رجل أعزه الله بالإسلام الصحيح، وعصمه من الاتجار بالدين.
ألا يكفي أن نسكت عن الأوهام التي يذيعها بعض الناس من وقت إلى وقت بحجة أنهم المرجع الأول لنشر التعاليم الدينية؟ وفي أي شرع يجوز تحريف الكلام عمداً ليتمكن من في قلوبهم مرض من تجريح الأصحاء؟
إن الكلمة التي قلتها لها معان لا يدركها غير صفوة المؤمنين.
ولو طُلب مني توضيحها لقلت: إن العبادة الصحيحة هي رؤية الله في نعمه المشكورة، وليست في دعوى النظر إليه، وهي دعوى أعرض من الصحراء.
وأنا دعوت الله بما دعوت، وأرجوه أن يتقبل ذلك الدعاء، فإن بصري على حدته أضعف