ومعنى ذلك أنن نعاني أزمة شعورية. . . أي أننا لا نستطيع أن نستوحي الحياة لنستمد منها الإلهام، ولا نتعمق النفس الإنسانية نسبر غورها. . . ولا نمد أبصارنا إلى هذا الكون الواسع لنجول بأفكارنا فيه. . أي أننا لا نستطيع أن نخلو إلى أنفسنا ساعة نستوحيها، ولا نعتمد على شخصياتنا لنستقل بأنفسنا، ونؤمن بنظرتنا الذاتية.
نعم! إن الشعر العربي في أزمة محكمة. .
أساسها أننا لا نزال غير متفقين على معنى الشعر. . فكثيرون يحسبون أن كل من سطر أبياتا وقيدها بالوزن وسجنها في (قارورة) القافية شاعرا من شعراء عصرنا المعدودين. .
وشعرنا يتلوى بين فئتين: فئة تغرق في الإغراب، وتولع في الطلاسم والأحاجي، ولا تفرق بين الرموز السحرية، والألفاظ الشعرية، فتأتي بما لا يفهمه الناس ولا يتذوقونه. . ولا يمكن أن ينسب إلى الشعر في أية حال من الأحوال؛ فتختفي العاطفة، وتملأ شعرها بالصور المضطربة المتهالكة التي لا تستند إلى ركن من المعقول. .
وفئة لا تزال تعيش في القرن الرابع الهجري؛ تحسب الشعر تقليد الشعراء القدامى، والسير على مناهجهم، وإحياء المديح والرثاء المتكلف، وتظن الشعر كلمات محنطة، وجملا متراصة، وقوافي مسجونة لا يربطها نظام، ولا تصل بينها وشائج قربى، فترى الناس بالغت، وتعرض عليهم معارض للألفاظ المحنطة التي لا تحمل رصيدا من عاطفة، ولا خفقة من إحساس، ولا ذرة من إدراك. .
ونحن الآن في عصر الذرة، وعصر النور الكهرباء، عصر التيقظ والاندفاع إلى الأمام، وكسر القيود، وإدراك القيم السامية للحياة، والتفكير العميق بالمثل العليا التي يجب أن تكون عليها الإنسانية لترفل في برد السعادة، وتتمتع بثمار الطبيعة، وتنعم بأفياء الجهاد. . . نحن في عصر القومية، عصر الاستقلال الذاتي، فإذا رأينا فئة تلغز فلا نفهم شيئا، وأخرى تعبث ولا تصدر عن شيء، فماذا يكون موقفنا منهما؟