أوردنا في مقال سابق أمثلة للإيحاء الذاتي، كان سبباً في ردْء التشاؤم عن أصحابها، وجلب التفاؤل إليهم
وسبيلنا في هذا المقال أن نسوق شواهد طريفة للإيحاء الخارجي، أي إيحاء الإنسان إلى غيره
وطرافة هذه الشواهد أن جلها بل كلها وقعت عفو البديهية ومسارقة الخاطر! ولولا ذلك ما كان لها هذا الأثر الذي يشبه فعل السحر! لأن مجيء الإيحاء في وقته أشبه بمعالجة المرض إبان طروئه. هذا إلى إن ذلك يطبعه بطابع الإلهام العلوي والنفحات اللْدنية! ويجعل له وقع البُشرَيات التي تنفرج عنها سجوف الغيوب في الحين بعد الحين!
وطبيعي أن هؤلاء السحرة أو الرُّقاة - على الأصح - الذين استطاعوا أن يتلعّبوا بالنفوس، فأروْها النحوس سعودا، ً والسواد بياضاً! واستنقذوها من القلق والشك والارتماض، لم يكونوا إلا جماعة من أهل اللسن والبيان! ومن أقدر من أهل اللسَ ن والبيان على قلب الحقائق والتصرف في أهواء النفوس؟ وإن من البيان لسحراً!
بل الحق أن البلاغة وحدها لا تغني غناءها في هذا المواقف المتضايقة، ما لم تسعدها شدة العارضة ودقة الفطنة وحسن التأني وبراعة الاحتجاج وقوة التعليل
وسنذكر هذه الشواهد فيما يلي مرتبة بحسب الزمن قدر الاستطاعة:
١ - بنى عبد الملك بن مروان باباً من أبواب المسجد الأقصى ببيت المقدس، وبنى الحجاج باباً إلى جانبه، فنزلت صاعقة فأحرقت باب عبد الملك، فتطّير بذلك وشق عليه! فبلغ ذلك الحجاج فكتب إليه: بلغني كذا وكذا، فلْيهن أمير المؤمنين أن الله تقبَّل منه! وما مثلي ومثله إلا كابنيْ آدم إذ قرَّبا قرباناً، فتُقُبِّل من أحدهما ولم يتقبَّل من الآخر