مات أبن الحجاج وأخوه في يوم واحد، وكان اسم كل منهما محمداً، فقال:(يا الله! محمد ومحمد في يوم!) فكرر محمداً، ولو قال:(محمدان في يوم) لما أدى المعنى الذي أداه التكرار، فأحد المحمدين أبنه والآخر أخوه، وهو بالتكرار يفصل الفاجعة فيهما، وما تقوم التثنية بنقل هذا الشعور إلى السامع، أو قل ما شئت في التعليل، ولا أشك في أننا متفقون على حسن التكرار هنا، وأن التثنية لا تغني شيئاً.
وقال أبو نؤاس:
ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديدُ ودارسُ
مساحب من جر الزقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان جنىّ ويابس
حبست بها صحبي فجددت عهدهم ... وإني على أمثال تلك لحابس
ولم أدر من هم غير ما شهدتْ به ... بشرقيّ ساباط الديار البسابس
أقمنا بها يوماً ويوماً وثالثاً ... ويوماً له يوم الترحل خامس
أفترى التكرار في البيت الأخير حسناً كذاك، أم تراه معيباً لا غناء فيه؟
وقع نظري في كتاب (البلاغة الواضحة) لمؤلفيه الأستاذين علي الجارم بك ومصطفى أمين بك على هذا البيت (أقمنا بها. الخ) مسبوقاً بهذه العبارة: (بيّن ما تراه في الأبيات الآتية من العيوب البلاغية) ومتلوَّا بأبيات أخرى. تأملت هذا البيت المتهم بالعيوب البلاغية وهو ماثل في قفص التمرينات المطلوب حلها. . فلم أر به ما يريب، ثم رجعت إلى نفسي وكدت أتهم عقلي بالقصور، وتخيلت أني طالب ألقي إليه بهذا لسؤال في الامتحان، فهالني الصفر الأحمر يسقط عليّ من قلم الممتحن المهيب. . ثم لمحت رقماً بين قوسين على آخر البيت، فتبعته إلى الهامش حيث وجدت به:(يريد انهم أقاموا ثمانية أيام، عد منها ثلاثة في الشطر الأول، ثم أضاف إليها خمسة في الشطر الثاني، لأنه يقول إننا أقمنا بعد ثلاثة الأيام الأولى يوماً له يوم الرحيل خامس أي خمسة أيام أخرى) فذهب عني الفزع وقلت: وهذه مسألة أخرى أرى الخطأ فيها ظاهراً، مما يطمعني في تبرئة البيت مما يراد لصقه به من العيوب البلاغية.