للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان يدرك ملتن أنه كمن يصرخ في واد قفر من أهله فلا سميع ولا مجيب ولا صدى لصوته؛ ولكنه على الرغم من ذلك - كما يقول - مطمئن إلى أنه يفعل ما يجب عليه فعله وأن يفعله في وقته لا يبتغي إلا الخير لدينه ولوطنه

إن المرء ليمتلكه العجب من إصراره على هذا النحو ودأبه على محاربة رجال الدين، لا يدع فرصة ولا يدركه سأم؛ فها هو ذا يرسل عليهم سهامه في عهد ريتشارد مؤملاً أن يجد عنده من القبول ما لم يجده عند أبيه، ويميل بعض من كتبوا حياة ملتن إلى رد هذه الصرامة إلى حنقه عليهم وعلى الأخص البرسبتيرنز لما نال من أذى على أيديهم ولأنهم أعلنوا طرده من الكنيسة، ويرى غير هؤلاء أن مرد قسوته عليهم إلى عقيدة في نفسه لا يتحول عنها وهي أن تسلط رجال الدين مهما يكن مذهبهم على شؤون الدولة هو سبب كل طغيان وكل خنق للحرية، ولما كان يكره الاستبداد من أعماق قلبه بقدر ما يحب الحرية فقد انصبت كراهيته على هؤلاء الذين يرى فيهم رمز العناد الغبي، والتسلط الأحمق، وزاده إيذاؤهم إياه يقيناً بأنهم أصل كل شر، وسبب كل رجعية لأنهم خاصموه من أجل مبادئه في الزواج والطلاق، وهو لم يرد بهذه المبادئ إلا الخير للإنسانية جميعاً، وما ساوره شك في أن ما دعا إليه إنما هو الحق.

(يتبع)

الخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>